السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الأموال الاقتصادية
المال لغة، كل ما يقتنى من الأشياء. ويقول ابن الأثير: «المال في الأصل ما يملك من الذهب والفضة، ثم أطلق على كل ما يقتنى من الأعيان، وأكثر ما يُطلق المال عند العرب على الإبل لأنها كانت أكثر أموالهم. والمال في الإسلام هو كل شيء فيه منفعة للإنسان يمكن حيازته». والمال في النظرية الاقتصادية هو كل شيء يشبع حاجة لدى الإنسان سواء أكان سلعة أم خدمة، ولكي يكون المال اقتصادياً في النظرية الاقتصادية لا يكفي أن يشبع حاجة لدى الإنسان بل يستلزم بذل جهد من أجل الحصول عليه وحيازته. فالخيرات المتوافرة في الطبيعة من دون عمل الإنسان ليست أموالاً اقتصادية لأنها رزق لا تطلب عمل الإنسان، ولا تخضع للتملك والمبادلة نقداً أو عيناً. لهذا فإن تعبير المال في اللغة العربية: ما يقتنى من جميع الأشياء، وفي المنظور الإسلامي كل ما فيه منفعة للإنسان ويمكن حيازته هو مال اقتصادي بالضرورة لأنه خاضع للتملك والحيازة ولا يكفي فيه إشباع الحاجة لدى الإنسان. من هنا يكون تمييز المال من المال الاقتصادي ضرورياً في النظرية الاقتصادية، وليس الأمر كذلك في اللغة العربية أو في الفقه الإسلامي. فإشباع الحاجة أو وجود المنفعة شرط ضروري ليكون المال اقتصادياً وهو شرط لازم، ولكنه ليس كافياً، وتكون الأموال إما عامة تعود ملكيتها للمجتمع ممثلاً بالدولة وإما خاصة تعود إلى الأفراد أو مجموعات منهم.
الحاجة والمال الاقتصادي
تعرف الحاجة أنها التعبير عن أحد شروط الحياة على مستوى الاستهلاك الشخصي أو الاجتماعي، وهكذا تكون هناك حاجات شخصية (كالغذاء والكساء مثلاً) وحاجات اجتماعية (المدارس والطرقات، وغيرها)، وهناك حاجات فطرية صرفة (الأكل والشرب والنوم) يؤدي عدم إشباعها إلى الموت، وحاجات روحية سامية مثل الثقافة والوطنية والانتماء وغيرها، يؤدي عدم إشباعها إلى المعاناة. والإنسان في عمله يسعى لإشباع حاجاته وفق أولويات تختلف من شخص إلى آخر. غير أن الحاجة في صورتها المجردة لا تعبر عن أي أهمية لعلم الاقتصاد. المهم، في علم الاقتصاد، هو الحاجة الاقتصادية التي تفترض وجود مال لإشباعها، وتوافر سوق تمكن الراغب من اقتناء هذا المال، إضافة إلى إمكانية مبادلة هذا المال في السوق نقداً أو عيناً. وهكذا يكون المال الاقتصادي المال الموجود القابل للتبادل وتتوافر فيه الشروط التالية:
ـ خصيصة إشباع حاجة لدى الإنسان سواء أكانت هذه الحاجة نافعة أم ضارة، أخلاقية أم غير أخلاقية، مادية أم روحية.
ـ إدراك الناس لمنفعة هذا المال، فمهما يكن المال نافعاً فلا يطلبه المستهلكون ولا يقبلون على دفع أي ثمن له إذا لم يكتشفوا خصائصه النافعة. فقد كان النفط موجوداً قبل آلاف السنين ولكنه لم يتحول إلى مال اقتصادي إلا بعد الكشف عن كونه مصدراً للوقود في المحركات والآلات ومصدراً للطاقة.
ـ إمكانية الحصول على المال وحيازته، فالغازات النادرة المتوافرة في الجو المحيط بالأرض ليست أموالاً اقتصادية بعد لعدم إمكانية الحصول عليها وحيازتها، وقد تتحول هذه الغازات مع تطور العلم إلى أموال اقتصادية. فالتقدم العلمي قد يوجد أموالاً اقتصادية وينفي أخرى.
ـ الندرة: إذا حققت الأموال أو الخيرات الشروط الثلاثة السابقة فقد لا تكون أموالاً اقتصادية. لأن الشرط الأهم كي يكون المال اقتصادياً أن تكون الكميات المتوافرة منه من دون جهد الإنسان غير كافية لإشباع حاجات جميع الناس فيضطر هؤلاء إلى القيام بالعمل للحصول على المال واقتنائه أو الانتفاع به. أي إن الأموال لا تكون اقتصادية وتندرج في إطار التحليل الاقتصادي إلا إذا بذل جهد إنساني للحصول عليها أي إلا إذا كانت في حالتها الحرة نادرة ولا تفي بحاجات الناس. والندرة لا تعني الندرة المطلقة بل الندرة النسبية فقط، أي أن يكون توافر المال أقل من الحاجة إليه. فالهواء مثلاً، وهو أهم شيء في حياة الإنسان، يشبع أهم حاجة بشرية ليس مالاً اقتصادياً بسبب وفرته في الطبيعة وعدم الحاجة إلى بذل أي جهد في الحصول عليه. وإن الأموال المتوافرة في الطبيعة، ولا يحتاج الإنسان إلى بذل أي جهد أو تحمل أي تكلفة للانتفاع بها تدعى الأموال الحرة. وقد تصبح هذه الأموال اقتصادية عندما يتوافر شرط ندرتها كالماء في الصحراء حيث يباع للمحتاجين إليه، أو كإيصال مياه الشرب إلى التجمعات السكنية.
هذه الشروط الأربعة تعطي المال صفة المنفعة وتكون المنفعة في المال القابل للتجزئة منفعة كلية كتلك التي يتمتع بها الشخص في أكل التفاح، فهي حصيلة جمعالمنفعة التي يحصل عليها من كل تفاحة يلتهمها، كما تكون منفعة حدية أو هامشية وهي منفعة الوحدة الأخيرة التي ينتفع بها المستهلك [ر.المنفعة]. أي مقدار المنفعة التي يحصل عليها من التهام التفاحة الأخيرة وبالطبع فإن استهلاك التفاحة الأولى أكثر منفعة من استهلاك التي تليها وهكذا.
تصنيف الأموال الاقتصادية
تصنف الأموال الاقتصادية عادة وفقاً لأربعة معايير، هي:
1ـ معيار الاستخدام: يسمح هذا المعيار بتقسيم الأموال الاقتصادية إلى أموال الإنتاج (تسمى أيضاً الأموال الاستثمارية أو الأموال الرأسمالية) وإلى أموال الاستهلاك(وتسمى أيضاً الأموال المباشرة أو أموال الدرجة الأولى).
فأموال الإنتاج (أو وسائل الإنتاج بالتعبير الماركسي) لا تشبع حاجة مباشرة لدى المستهلك النهائي وإنما تستخدم لإنتاج الأموال المباشرة أو أموال الاستهلاك. فالخشب الذي يستخدم في صنع المفروشات أو في بناء المساكن وتجهيزها، لا يشبع حاجة مباشرة ولكنه يستعمل وسيطاً في إشباع الحاجة المباشرة. وكذا الحال في المصانع التي تقوم بتحويل المواد الأولية إلى مواد مصنوعة تشبع حاجة مباشرة لدى الإنسان. وهناك مجموعتان من أموال الإنتاج: الأدوات والتجهيزات التي تستخدم للتأثير في تحويل الأشياء لتلبي حاجة مباشرة وتسمى أدوات العمل، والمواد التي تخضع للتحويل في عملية الإنتاج لتصبح مواد تشبع حاجة مباشرة للإنسان وتسمى مواد العمل.
وبالنتيجة فإن كل الأموال الاقتصادية تدخل في مجال الاستهلاك إمّا على نحو مباشر فتكون أموال استهلاك أو على نحو غير مباشر أي تستخدم في الاستهلاك الوسيط (إشباع حاجة على نحو غير مباشر، فتكون أموال إنتاج [ر. الاستهلاك]). وتمايز أموال الإنتاج من أموال الاستهلاك يحدد الخط الفاصل بين ما هو رأسمال و ما ليس برأسمال. غير أن هذا التمييز لا ينبع من طبيعة المال نفسه فحسب وإنما تدخل طريقة الانتفاع بالمال في ذلك. فالدجاجة تعد من أموال الإنتاج أو رأسمالاً عندما تربى للحصول على بيضها، في حين تعد من أموال الاستهلاك عندما تذبح لتطهى طعاماً. وكذا الحال في الأشجار المثمرة فهي رأسمال (من أموال الإنتاج) عندما تقطف ثمارها وتغدو من أموال الاستهلاك عندما تقطع حطباً وتستخدم للتدفئة. كما قد يحدث عكس ذلك أيضاً فبعض أموال الاستهلاك قد تصبح من أموال الإنتاج كما في حال تفقيس البيوض بدلاً من استهلاكها مباشرة، أو بذر الحبوب في الزراعة بدلاً من استهلاكها في الغذاء مباشرة.
2ـ معيار الديمومة: هناك أموال تفنى عند استعمالها مرة واحدة كالطعام مثلاً وتسمى بالأموال المستهلكة، في حين توجد أموال وسلع تستخدم للانتفاع بها مدة طويلة من الزمن كالسيارة والأثاث وتسمى بالأموال المعمرة أي تدوم طويلاً، كما أن هناك أموالاً أبدية لا تفنى بالاستعمال أبداً مثل الأرض.
3ـ معيار قابلية الاستبدال: واستناداً إلى هذا المعيار تصنف الأموال في صنفين: أموال قابلة للاستبدال، وأخرى غير قابلة للاستبدال. يكون المال غير قابل للاستبدال بمال آخر عندما يتمتع بصفات فريدة لا تتوافر في أي مال آخر. والأموال غير القابلة للاستبدال نادرة الوجود لتطور الإنتاج من جهة ولتغير عادات الاستهلاك من جهة ثانية، ويقال عن مجموعة من الأموال إنها قابلة للاستبدال إذا كان ممكناً إحلال أحدها محل الآخر في إشباع حاجة المستهلك أو تلبية أغراض المنتج. فنقول مثلاً إن السمن الحيواني قابل للاستبدال بالسمن النباتي المهدرج لأن أحدهما يشبع الحاجة التي يشبعها الآخر ويستخدم بدلاً منه في طهي الأطعمة. وتكون قابلية الاستبدال بين السلع كاملة أو جزئية تبعاً لكون كل منها يشبع حاجة المستهلك تماماً وبالشروط ذاتها مثل استبدال منتج ما بآخر له التركيب نفسه والمواصفات نفسها ولكن من مصدرين مختلفين أو من نموذجين مختلفين، في هذه الحالة تكون قابلية الاستبدال بينهما تامة كاستبدال قميص قطني من صنع معمل في دمشق بقميص قطني آخر من صنع معمل في حلب. وتكون قابلية الاستبدال بين الأموال جزئية عندما يقتضي إحلال أحد هذه الأموال محل الأخرى تضحية بحد معين من مستوى الإشباع كاستبدال الألبسة المصنوعة من الخيوط التركيبية بتلك المصنوعة من الخيوط الطبيعية أو استبدال السمن النباتي بالسمن الحيواني أو زيت الذرة بزيت الزيتون. وتؤثر قابلية الاستبدال بين الأموال في الأسعار من جهة وفي كمية المطلوب من كل منها من جهة ثانية. وغالباً ما تكون السلع القابلة للاستبدال فيما بينها متنافسة.
4ـ معيار صفة التتام: يقال عن مالين أو أكثر إنهما متتامان إذا كان لا بد من استهلاكهما أو استعمالهما معاً لإشباع حاجة معينة، مثل البن والسكر أو عجلات السيارات والوقود، وتكون حركة أسعار الأموال المتتامة غالباً مرتبطة فيما بينها إذا بقي المعروض منها متناسباً لأن تغير الطلب على أحدهما ينعكس تغيراً على طلب الأخرى في الاتجاه نفسه و صفة التتام بين الأموال ليست ثابتة في الزمان والمكان، فمثلاً، بعض الناس، في بعض المناطق، يستهلكون البن من دون سكر فصفة التتام ظاهرة فنية وتاريخية أي إنها تتغير تبعاً للحاجة والتطور. كما يمكن أن يكون التتام موضوعياً أو ذاتياً. فهو موضوعي في حال عدم إمكانية إشباع الحاجة من مال معين من دون استعمال المال الآخر مثل القطع المكونة لمحرك السيارة. وهو ذاتي يتعلق بسلوك المستهلك عندما يتوقف أمر الجمع بين المالين على ذوق المستهلك وتقديره. فبعض الناس يشربون القهوة مع السكر ويفضلها آخرون من دون سكر.
وأخيراً يمكن تصنيف الأموال، بحسب إنتاجها، في أموال متلازمة وأموال متنافسة فهي متلازمة عندما يكون إنتاج أحدها مرافقاً أو ملازماً لإنتاج الآخر، مثل إنتاج مشتقات النفط بتكرير النفط الخام، وهي متنافسة عندما يكون إنتاج بعض الأموال من الموارد المتوافرة ذاتها على حساب إنتاج أموال أخرى. ويكون عدد كبير من الأموال الزراعية متنافساً، فالحقل المفلوح والمسمد يمكن أن ينتج القمح أو الذرة أو الشعير أو غير ذلك ولكن إنتاج أحدها ينفي إنتاج الآخر من الموارد نفسها.
منقــول للأمــــــــــــــــــــــــــــانة
أنتظر ردوكـــــــــــــــــــــــــــــــم
ســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلام