السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السوق العربية المشتركة
السوق العربية المشتركة: شكل متقدم من أشكال التكامل الاقتصادي[ر]، يقوم على أساس حرية انتقال رؤوس الأموال والأيدي العاملة بين الدول المشاركة في السوق، إضافة إلى حرية تبادل السلع والمنتجات وإقامة اتحاد جمركي فيما بينها. تأخذ اتفاقيات الأسواق المشتركة خصوصيات مختلفة باتجاه توسيع التكامل، غير أن الجوهر يبقى واحداً، ويتمثل في حرية تبادل السلع والمنتجات إلى جانب حرية انتقال رؤوس الأموال والأيدي العاملة. بعض اتفاقيات الأسواق المشتركة تلحظ إمكانية تحولها إلى وحدة اقتصادية، كما هي حال السوق العربية المشتركة والسوق الأوربية المشتركة (الاتحاد الأوربي)، وبعضها يقتصر على تحقيق حرية التبادل وإقامة المشروعات من أجل تيسير التنمية الاقتصادية وإزالة العوائق أمام النمو الاقتصادي، مثل اتفاقية الأندي في أمريكة الجنوبية أو الآسيان ASEAN بين دول جنوب شرقي آسيا.
والسوق العربية المشتركة لم تحدث باتفاقية خاصة، وإنما أحدثت تنفيذاً لاتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية الموقع عليها في حزيران 1962م من قبل خمس دول عربية، ومن ثم انضمت إليها دول أخرى. وقد نصت اتفاقية الوحدة على:
«حرية انتقال الأشخاص ورؤوس الأموال، حرية تبادل البضائع والمنتجات الوطنية والأجنبية، حرية الإقامة والعمل والاستخدام وممارسة النشاط الاقتصادي وحرية النقل والترانزيت واستعمال وسائل النقل والمرافئ والمطارات المدنية وحقوق التملك والإبصار والإرث لرعايا الدول العربية الأعضاء في اتفاقية الوحدة على قدم المساواة».
وجاء إصدار قرار إنشاء السوق العربية المشتركة من قبل مجلس الوحدة الاقتصادية العربية[ر] بتاريخ 13/8/1964م، من منطلق أن السوق مرحلة من مراحل تحقيق الوحدة الاقتصادية بين الدول تمهيداً لوحدتها السياسية لاحقاً. وضمت السوق العربية المشتركة في بداية انطلاقها: الأردن والعراق وسورية ومصر والكويت. ثم اتسعت عضويتها لتشمل كل الدول العربية، ولكن السوق لم تُفعَّل على نحو كامل وإنما اقتصر التعاون الاقتصادي العربي على بعض الاتفاقيات الجزئية السابقة لقرار إحداث السوق العربية المشتركة واللاحقة له والتي يمكن إذا فُعِّلت على نحو سليم أن تسهم في تفعيل اتفاقية السوق لاحقاً.
عوامل إقامة السوق العربية المشتركة
شعرت البلدان العربية منذ حصولها على الاستقلال السياسي أنها غير قادرة، كل منها في الحدود التي رسمت لها، على متابعة نموها الاقتصادي وتطورها الاجتماعي، فضمنّت ميثاق الجامعة العربية نصوصاً تؤكد أهمية التكامل الاقتصادي بين الدول العربية المتحررة من الاستعمار.
ومنذ الاستقلال فتحت البلدان العربية أعينها على اتجاه واضح نحو التكتلات الاقتصادية في العالم، مثل السوق الأوربية المشتركة ومنطقة التجارة الحرة الأوربية ومنظمة الكوميكون والسوق اللاتينية المشتركة والسوق المشتركة في إفريقية الشرقية، وكذلك السوق المشتركة لبلدان إفريقية الغربية. فكان ذلك دافعاً قوياً لبحث اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية والتي تفرع عنها إحداث السوق العربية المشتركة.
كما واجهت الدول العربية المستقلة عدداً من المشكلات الاقتصادية التي دفعتها إلى إقامة السوق، منها:
1ـ نمو الإنتاج، بسبب التقدم التقني وإدخال آلات جديدة بطاقة إنتاجية عالية تضيق بها الأسواق القطرية، فكان لابد من البحث عن سوق واسعة يمكن أن توفر للصناعات الناشئة طاقة استيعاب المنتجات مع إمكانية التخصص في الإنتاج.
2ـ ارتفاع تكاليف الإنتاج، بسبب تطور الآلات والتجهيزات وتوسع الطاقة الإنتاجية أصبح الاكتفاء بإنتاج كميات قليلة من المنتجات لتلبية الأسواق القطرية الضيقة، يؤدي إلى توزيع أعباء الإنتاج على عدد قليل من المنتجات، مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج وزيادة أعباء المنتجات وتقليص قدرتها التنافسية.
3ـ تفاقم مسألة البطالة: ترتب على تطور المستوى التقني ورفع إنتاجية العمل من ناحية، وزيادة كفاية الآلات من ناحية ثانية، نقص في الطلب على اليد العاملة، في الوقت الذي كان عدد السكان يتزايد بشدة وهجرة اليد العاملة الزراعية إلى المدن تسير على قدم وساق. ولم يكن بالإمكان امتصاص البطالة، إلا بتوسيع المؤسساتالإنتاجية القائمة أو باستخدامها بأقصى طاقة لها، وهذا ما كان يدفع باتجاه التفتيش عن أسواق لتصريف هذه الزيادة في الإنتاج.
4ـ عقبات التنميات القطرية: واجهت الدول العربية المستقلة عقبات عديدة في عملية التطوير والتنمية، ومن هذه العقبات: انخفاض معدل نمو الدخل، ضيق السوقعن استيعاب الإنتاج الكبير، المنافسة بين المنتجات المتماثلة في الدول العربية، نزوح الفائض الاقتصادي من الدول العربية باتجاه الدول المتطورة، عدم الانسجام في توزيع الإمكانات والثروات العربية، ففي بعض البلدان تتوافر قوة العمل، وفي بعضها الآخر يتوافر رأس المال، وفي دول أخرى كميات واسعة من الأراضي الخصبة ومن الثروات الباطنية، بحيث أن بلداً واحداً، مهما اتسعت مساحته، لا يمكن أن يشكل وحدة اقتصادية متكاملة قادرة على تحقيق التنمية بمفردها.
كل هذه العوامل، إضافة إلى كون البلدان العربية قبل الحرب العالمية الأولى، كانت تشكل إقليماً اقتصادياً واحداً تنشط في حدوده التبادلات التجارية وعلاقات التعاون الاقتصادي من دون أية قيود، كل ذلك روَّج لدى الشعب العربي في كل بلدانه فكرة الوحدة الاقتصادية العربية وما تفرع عنها من إقامة السوق العربية المشتركة.
الأهمية الاقتصادية والسياسية للسوق العربية المشتركة
كان يمكن للسوق العربية المشتركة، لو تم تحقيقها عملياً، أن تحقق المكاسب التالية لكل البلدان العربية منفردة ومجتمعة:
1ـ تحقيق معدلات نمو أعلى في الناتج القومي ونصيب الفرد منه، لأن السوق الواسعة (وهي سوق واسعة نسبياً فقط لأن الناتج المحلي الإجمالي في الدول العربية الاثنتين وعشرين مجتمعة أدنى من الناتج المحلي الإجمال في بلد أوربي متخلف نسبياً مثل إسبانيا)، كانت ستسمح بإقامة مشاريع كبيرة متنوعة على مستوى الساحة العربية ومتخصصة على مستوى كل قطر، مما كان سيوفر الاستفادة من المزايا النسبية المتاحة لكل بلد عربي من ناحية ولمجموع الأمة العربية من ناحية ثانية. ففي مجال الزراعة كان يمكن دمج رأس المال الخليجي واليد العاملة المصرية والسورية المؤهلة مع موارد الأرض والمياه المتوافرة في السودان. وعلى مستوى الصناعة كان يمكن لتضافر رؤوس الأموال الموجودة في قطر أو أكثر مع اليد العاملة الفنية المؤهلة في قطر أو أقطار أخرى مع الثروات الباطنية والمواد الأولية الوفيرة في الكثير من الدول العربية، مثل النفط والفوسفات وخامات الحديد والبوكسيت وغيرها، أن يؤدي إلى قيام صناعة عربية متطورة في مصلحة كل الدول العربية بدلاً من تصدير هذه الموارد خاماً وإبقاء قسم كبير من الأموال العربية موظفة في الخارج، إضافة إلى انتشار قوة العمل العربية في كل أرجاء العالم تبحث عن عمل.
2ـ تكوين تكتل اقتصادي يساعد في تقوية الموقف التفاوضي في العلاقات الاقتصادية والتجارية مع البلدان والمجموعات الاقتصادية الأخرى.
3ـ بناء اقتصاد عربي متطور قادر على تحمل أعباء الدفاع والوقوف أمام التحدي الصهيوني في المنطقة العربية.
4ـ تشكيل قوة اقتصادية عربية وسوق واسعة يحسب لها حساب من قبل القوى العظمى، بما يؤثر في مواقفها السياسية من القضايا العربية المعاصر،ة وخاصة من قضية فلسطين والعدوان الإسرائيلي المستمر على الأراضي العربية وعلى المقدسات الإسلامية والمسيحية العربية في فلسطين.
السوق العربية المشتركة بين الأهداف والتطبيق الفعلي
أهداف السوق العربية المشتركة مشتقة من أهداف اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية، وقد اتخذ قرار إنشاء السوق في إطار السعي إلى تطبيق اتفاقية الوحدة، فكان الهدف من إنشاء السوق:
ـ تحرير تبادل المنتجات الوطنية والأجنبية بين الدول الأعضاء، ولم يتحقق هذا الهدف لكثرة الاستثناءات التي طلبت الدول الأعضاء تطبيقها فيما يتعلق بالمنتجات الوطنية واستحالة تحرير انتقال المنتجات الأجنبية ما دامت الدول الأعضاء ليست منضمة إلى اتحاد جمركي يرتب توحيد التعرفة على البضائع المستوردة من الخارج.
ـ انتقال رؤوس الأموال وتسوية المدفوعات، وعلى الرغم من توقيع اتفاقيات جماعية لتحقيق هذا الهدف بين الدول العربية، وعلى الرغم من إحداث المؤسسة العربية لضمان الاستثمار وإصدار الكثير من الدول العربية قوانين لحماية الاستثمارات الأجنبية في أراضيها من أخطار المصادرة والتأميم وما شابهها، فما تزال رؤوس الأموال العربية المستثمرة في الدول العربية الأخرى ضئيلة جداً. في حين تقدر الاستثمارات العربية خارج أقطار الوطن العربي بين 850 و1100 مليار دولار لو عاد منها نصفها فقط لكان يكفي لتصنيع الاقتصادات العربية ودفع عملية التنمية فيها ووضعها في طريق التقدم لحاقاً بالدول الصناعية المتقدمة.
ـ حرية انتقال الأشخاص وممارسة النشاط الاقتصادي: لقد تحقق بعض التقدم فيما يتعلق بممارسة النشاط الاقتصادي ولكن ليس على أساس تفعيل أحكام السوق، وإنما بمقتضى بعض الاتفاقيات الثنائية أو بناء على تراخيص خاصة من السلطات المسؤولة. أما ما يتعلق بحرية انتقال الأشخاص فلم تستطع الحكومات العربية الاتفاق على إلغاء سمات الدخول فيما بينها، وعلى العكس من ذلك تسهل معظم الدول العربية دخول الأشخاص من غير الجنسيات العربية إلى أراضيها في حين تعرقل دخول الأشخاص من رعايا الدول العربية. تشكل سورية شبه استثناء بين الدول العربية فحدودها مفتوحة لمواطني الدول العربية بلا استثناء.
ـ النقل والترانزيت وشؤون المواصلات: تعثر تطبيق هذا البند، بسبب ما رأته اللجان المختصة من إمكانية إلحاق الضرر ببعض الدول الأعضاء، مما أوجب التريث في إطلاق حرية الترانزيت إلى ما بعد قيام جدار جمركي موحد. وما زالت عمليات النقل والترانزيت موضوعاً لاتفاقيات ثنائية بين الدول العربية، لا في إطار تفعيل السوق العربية المشتركة.
ـ وفي مجال التكامل والتنسيق الاقتصادي، فإن قرار إنشاء السوق العربية المشتركة لم يتطرق إلى هذا المجال سبيلاً لقيام هذه السوق أصلاً. غير أن مقدمة القرار جعلت من التكامل والتنسيق منطلقاً لتحقيق قيام السوق وتطوير عملها. وقد ترك الأمر لمجلس الوحدة الاقتصادية العربية الذي لم يفعل شيئاً في هذا المجال، لعدم توافر الإرادات السياسية لدى الحكومات العربية. وعلى العكس من ذلك، فقد جرى في السبعينات والثمانينات من القرن العشرين إقامة محاور متعددة في الوطن العربي، مثل الاتحاد المغاربي ومجلس التعاون الخليجي ومجلس التعاون العربي، إضافة إلى العديد من الاتفاقيات الثنائية التي كانت تنحو إلى التفريق أكثر مما تنحو إلى توحيد الجهود.
ولعل الشيء الوحيد الذي يعطي الأمل بتفعيل السوق العربية المشتركة إدراك الحكومات العربية عجز التنميات القطرية وقصورها في تحسين مستوى معيشة مواطنيها مما جعلها تتهافت على إبرام الاتفاقيات الثنائية فيما بينها، وفي نهاية المطاف الموافقة على إحداث منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى Great Arab Free Trade Area(غافتا) والبدء بتحرير التبادل السلعي بين أعضائها، البالغ عددهم 14 بلداً ومن المتوقع توسيعها لتشمل كل الدول العربية، بمعدل 10% سنوياً بدءاً من عام 1998، ثم قرار مجلس الوحدة الاقتصادية العربية تقصير مدة إكمال تحرير التجارة بين الدول من 1/1/2007 إلى 1/1/2005م.
منقــول للأمــــــــــــــــــــــــــــانة
أنتظر ردوكـــــــــــــــــــــــــــــــم
ســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلام