آدم سميث و ظهور المدرسة الكلاسيكية
يعتبر آدم سميث مؤسس المدرسة الكلاسيكية و مذهب الحرية الاقتصادية وله الفضل في ترسيخ الاقتصاد كعلم لذا عرف بـ ( أب الاقتصاد السياسي ) .
يعترف سميث بوجود تناقض بين
العدل الاجتماعي و النظام الاقتصادي الذي يتحقق بفعل المصالح الفردية و هذا
يعني أنه ابتعد عن الفيزوقراطيين الذين لا يعترفون بوجود للعدل الاجتماعي .
لذا فهو يرى أن الحرية
الاقتصادية هي الطريق لتحقيق العدل و لذلك أخذ يدعو ضمن نظام الحرية
الاقتصادية للإنسان من أجل الثروة ومن أجل الفضيلة و الحلم في نفس الوقت .
لكن الفلسفة الاجتماعية لآدم سميث تبدو هشة عندما لاحظ هو نفسه أن الإنسان يسعى للثروة قبل سعيه للفضيلة .
لقد تضمن كتاب آدم سميث "ثروة
الأمم" مجمل أفكاره حيث تضمن الكتاب الأول نظريته العامة في الانتاج و
القيمة و التوزيع , بينما شمل الثاني شروط و نتائج التقدم الاقتصادي , وكان
الثالث حول فكر و سياسة المركانتيليين و الفيزوقراطيين أما الأخير فاحتوى
بعض المبادئ في العلوم المالية .
المبحث الأول :
القانون الطبيعي و المصلحة الفردية
لا يبحث سميث مثل سابقيه عن الفعالية الاقتصادية الأكثر انتاجية , و إنما يبحث عن النظام الأكثر ملائمة و تسهيلاً للتقدم الاقتصادي .
على الرغم أن سميث مثل الفيزوقراطيين يعتقد بالقانون الطبيعي , و بالرغم من أنه مثلهم متفاءل بالمستقبل الذي سيسود فيه النظام الطبيعي إلا أنه يختلف عنهم في طريق تحقيق النظام الطبيعي .
فهو يتحقق برأيه من تلقاء نفسه بفعل النزعة الانسانية شريطة ألا تضع السلطة العامة العقبات في طريقه .
يرتبط الناس برأيه فيما بينهم
بروابط التضامن العضوي أو اللاإرادي و أن أياً منهم عندما يبحث عن منفعته
الشخصية فإنه ينفع المجتمع بشكل عام . و إن الانسان عندما يسعى من أجل نفسه
يخدم المجتمع بشكل أفضل مما لو أراد خدمة المجتمع مباشرة . أي أن هناك
تناغماً بين المنفعة الشخصية و المنفعة العامة .
إن النظام العفوي قادر على حل
المشكلة شريطة أن تؤمن المنافسة بين الناس , فإذا حدث خلل بين الانتاج و
الحاجات فإن قوى العرض و الطلب كفيلة بإعادة التوازن من جديد . لذلك لا
داعي لوجود قوانين و تشريعات و تدخل من قبل الدولة في الحياة الاقتصادية و
تبقى مهمتها محصورة في تأمين المنافسة الكاملة بين المنتجين و المستهلكين و
إزالة العقبات التي تقف في وجه النظام الطبيعي .
إن أفكار سميث حول النظام
الطبيعي و المنفعة الشخصية لم تعد اليوم ذات أهمية تذكر حيث تأكد عدم
إمكانية الوصول إلى نظام تتحقق فيه المنافسة الكاملة بل إن الحرية
الإقتصادية على العكس قادت إلى الاحتكار .
المبحث الثاني :
ركز كتاب "ثروة الأمم" على
العوامل و الأسباب التي تؤدي و تساعد على زيادة الثروة , حيث بيَّن سميث أن
العمل هو العنصر الأساسي و الحاسم في عملية الإنتاج و بالتالي في الثروة .
و يختلف سميث مع المركانتيليين
بأن تراك الذهب و الفضة لا يزيد الثروة بل ولا يشكل أساساً الفعاليات
الاقتصادية , لهذا فهو يدعو إلى تنشيط النقد الورقي و اعتماده في التداول .
لا يعتقد سميث خلافاً
للفيزوقراطيين بأن مصدر الثروة هو الأرض مؤكداً أن العمل الوطني هو مصدر
الثروة برغم عدم انكاره لدور الطبيعة كعامل مساعد في إنتاج الثروة .
يؤكد سميث أن الزراعة هي أكثر إنتاجية من الصناعة و التجارة . أي أنه يختلف مع الفيزوقراطيين باعتبار أن العمل الصناعي و التجاري منتجاً أيضاً و إن كان أقل انتاجية من العمل الزراعي .
وفي تمييز سميث للعمل المنتج و
العمل الغير منتج يشير لأعمال منتجة كالعمل الزراعي و الصناعي و أعمال غير
منتجة كأعمال الموظفين و العسكريين و الأطباء و المحامين و رجال الدين و
العاملين في الخدمات .
أفضل ما يميز تحليل سميث إدخاله
لمفهوم انتاجية العمل , حيث بيَّن أن الانتاجية تزداد بتقسيم العمل , و
يُرجع زيادة الانتاجية عند تقسيم العمل للأسباب التالية :
زيادة حذاقة و مهرة العمال نتيجة تخصصهم في مرحلة من مراحل الإنتاج .
التوفير في الوقت الذي يمكن تحقيقه عند كل عامل نتيجة عدم انتقاله من نوعية عمل إلى نوعية ‚
أُخرى .
استخدام الآلات بشكل مستمر نتيجة التخصص و الزيادة في كمية الإنتاج .ƒ
إن تقسيم العمل يحتاج إلى مانيفكتورات تضم عدداً كبيراً من العمال وهذا بدوره يحتاج إلى رأس مال كبير .
إن الدور الرئيسي لرأس المال عند سميث يتمثل في زيادته لإنتاجية العمل وذلك عن طريقتين :
إما السماح بتقسيم العمل .
و إما بتزويد العمال بأدوات أكثر تقدماً .
خلاصة القول إن سميث عندما
اعتبر أن العمل مصدر جميع الثروات لم يهمل دور كل من الطبيعة ممثلة في
الأرض و دور رأس المال في العملية الإنتاجية .
المبحث الثالث :
يعتبر سميث العمل مقياس القيمة
خلافاً للمركانتيليين الذين يقيسون القيمة في المعادن الثمينة و
الفيزوقراطيون الذين يقيسونها بالحبوب .
يميز سميث بين قيمة استعمالية
وقيمة تبادلية , وهذا ليس جديداً في الفكر الاقتصادي , ولكن سميث يضيف أن
الأشياء التي تكون قيمتها الاستعمالية كبيرة تكون قيمتها التبادلية قليلة ,
و العكس الأشياء التي قيمتها التبادلية كبيرة تكون قيمتها الاستعمالية
قليلة . و يعطي مثلاً على ذلك الماء و الماس .
يركز سميث اهتمامه على القيمة
التبادلية , و يرى أنها المنفعة الاجتماعية لسلعة ما , و لذا فإنها هي التي
يجب أن تحدد قيمة السلعة , وفي رأيه فإن هذه القيمة تعادل كمية العمل
الضروري من أجل إنتاج السلعة .
يميز سميث بين سعرين للبضاعة :
سعر السوق أي السعر الذي تأخذه البضاعة في السوق . و يتحدد برأيه عن طريق العرض و Œ
الطلب .
السعر الحقيقي و هو يعادل تكلفة إنتاج البضاعة .
و يقول أنه قد يختلف سعر السوق عن السعر الحقيقي على المدى القصير , و لكن هذين السعرين سوف يتعادلان بعد ذلك .
إلا أن سميث في اعتباره العمل مقياس القيمة يصطدم بصعوبتين اثنتين :
صعوبة قياس العمل المبذول في إنتاج سلعة ما لاختلاف نوعية العمل .ï
إن العمل لوحده لا يخلق الأشياء و إنما هو بحاجة إلى استعمال للأرض و لرأس المال و هذا ï
الاستعمال يدخل تكاليف أُخرى في القيمة و هي تكاليف استعمال الأرض و استعمال رأس المال . المبحث الرابع :
يقسم سميث الدخول إلى ثلاثة أنواع : أولاً : أجور العمال :
و ميز هنا بين أجور العمال المنتجين و أجور العمال غير المنتجين :
1 )) أجور العمال المنتجين :
تبنى سميث وجهة نظر متشائمة بالنسبة لمصير العمال , كما هو الحال في عصره
وذلك لوجود عدد من أصحاب العمل الذين سوف يحاولون دفع أقل ما يمكن من الأجر
مقابل الخدمة التي سوف يحصلون عليها من العمال . و لكن هذا الحد الأدنى لا
يمكن أن يهبط عن مستومعين محدد في الحد الأدنى اللازم لبقاء العامل و
إعادة انتاج من سيحل محله . أي تأمين بقاء العامل على قيد الحياة و تأمين
تكاثره .
إن أجر العامل قد يرتفع نتيجة
لزيادة الثروة الوطنية لكن ذلك لن يكون ذا شأن كبير لأن ارتفاع الأجور
سيزيد من عدد العمال بفعل زيادة العامل أولاده نتيجة زيادة أجره .
و يشبه سميث العامل بالبضاعة و أن الطلب عليه مرتبط بسعره .
2 )) أجور العمال غير المنتجين : هي دخول الأشخاص الذين يعيشون من عملهم دون أن يكونوا في القطاع المنتج و يميز بين دخول متقطعة و دخول أولية .
و الحقيقة أن سميث كان مخطئاً حين اعتبر أن أولئك غير منتجين .
ثانياً :الأرباح :
هي قيمة مخاطرة رؤوس الأموال في العملية الإنتاجية أو هي أرباح المستحدث الذي يخاطر بأمواله من أجل سلعة معينة .
لذلك فالقيمة التي يضيفها العمال لمادة ما تقسم إلى قسمين :
الأول يدفع كأجور
و الثاني يدفع كأرباح للمستحدثين .
و يرى سميث أن نسبة الربح إلى
رأس المال هي نفسها عند جميع الرأسماليين لأنهم يسعون إلى توظيف أموالهم
حيث الربح الأكبر . و إن كانت الحقيقة تبين أن نسبة الربح تختلف من مشروع
إلى آخر بسبب طبيعة العمل و درجة المخاطرة .
أما بالنسبة للفائدة فهي جزء من
أرباح المستحدثين تعطى إلى المقرض , و إن نسبة الفائدة تكون أقل من نسبة
الربح . و بالتالي يميز سميث بين مالك النقد (مالك رأس المال) و المستثمر
لهذا النقد , و لم يلاحظ احتمال ملكية المستحدث نفسه للنقد.
ثالثاً : الريع :
يقصد بالريع أجرة الأرض في
الزراعة . و يعتقد سميث أن الريع هو الفرق بين سعر المحصول من ناحية و
مجموع الأجور و الأرباح التي تدفع من أجل إنتاج هذا المحصول من ناحية أُخرى
.
و يعتبر سميث الريع كسعر احتكار
, وعندما يحاول سميث أن يشرح هذا السعر , أي السعر الذي يحدد الأجرة من
أجل أرض معينة وفي لحظة معينة , يغوص في غموض لا حدود له , أي أن آدم سميث
يسقط نهائياً أطروحة الفيزوقراطيين حول الإنتاجية المطلقة للأرض و يصبح
الريع عنده لا بسبب مردود الأرض و إنما بسبب حالة الاحتكار التي يسيطر
عليها الملاك العقاريون .
المبحث الخامس:
آراء سميث في التجارة الخارجية
دعا سميث إلى تقسيم العمل
الدولي , مبيناً أن التجارة الخارجية مثل التجارة الداخلية تعطي فائدة لكلا
الطرفين المتبادلين , وتأتي فائدة التجارة الخارجية نتيجة الاختلاف في
التكاليف المطلقة للإنتاج. إذ أنه يعتقد أن أية دولة تستطيع إنتاج بعض
البضائع بتكلفة أقل من إنتاجها في الدول الأُخرى .
يعتقد بوجود قانون طبيعي يحكم
حركة المعادن الثمنية و بالتالي الميزان التجاري . و هذا يعني أن يرفض تدخل
الدولة لأن هناك قانون طبيعي لا يمكن الوقوف أمامه , كما أنه ليس من
المفيد لدولة أن تبحث بشكل دائم عن ميزان تجاري رابح لصالحها .
إن سميث يرفض الحماية الجمركية
لأنها توجه رأس المال بشكل سيء , و الحماية في الحقيقة تعني أن رؤوس
الأموال استمرت في فعاليات اقتصادية ذات انتاجية ضعيفة مما يستدعي حمايتها ,
كما يحصل في بعض الصناعات التي تحميها دولها من منافسات الصناعات الأُخرى .
المبحث السادس :
مكانة أفكار آدم سميث في الفكر الاقتصادي
بعض الاقتصاديين مثل شومبيتر لا يعتقد بوجود قفزة في الفكر الاقتصادي بسبب سميث لأن أغلب أفكاره كانت موجودة عند سابقيه .
لكن مفكرين آخرين يعتقدون
بأصالة بعض تلك الأفكار و قوة تأثيرها . خصوصاً أنه تخلص من فكرة البحث عن
الفعالية الأكثر انتاجية إلى البحث عن النظام الذي يحقق الثروة . كما أن
الثروة ليست بسبب التجارة الخارجية أو الزراعة و إنما بالعمل و الإدخار
وحدهما .
كما أنه بحث في مشكلات الإنتاج و التبادل و التوزيع وفي شروط التقدم و ضرورة المنافسة للتقدم.
هذا لا يعني أن هذا الطلائعي
الكبير , الذي بشر بفكر المدرسة البرجوازية التقليدية لم يرتكب أخطاء فادحة
, خصوصاً في نظريته في القيمة – العمل و نظريته في التوزيع و في تصنيف
الدخول , وفي موضوع الإنتاج عندما يعتقد بحيادية النقد , وفي نظريته عن
التجارة الخارجية لم يلاحظ احتمال وجود دولة تستطيع أن تنتج أغلب أو كافة
السلع سعر أرخص من الدول الأُخرى . مهما يكن , فهذه الأخطاء لا تنزع عن
سميث لقب أبي الاقتصاد السياسي الكلاسيكي .
الفرع الأول :
إن لاقتصاديي المدرسة
الكلاسيكية نظريتين مختلفتين لمستقبل النظام الرأسمالي و لمستقبل البشرية
بشكل عام : نظرة تشاؤمية يمثلها روبرت مالتوس و يشترك فيها بتحليل شمولي
أكثر دقة ووضوحاً ريكاردو , و نظرة تفاؤلية يمثلها جان باتيست ساي .
ولدت النظرة التشاؤمية لدى روبرت مالتوس في جو مشبع بالتفاؤل .
أهم مؤلفاته *مبادئ الاقتصاد السياسي* و الذي تعود إليه شهرته .
يعتبر مالتوس مؤسس علم الديموغرافيا .
المبحث الأول :
ينطلق مالتوس من الاعتقاد بأن
تزايد السكان يفوق كثيراً تزايد الموارد الاقتصادية مما سيؤدي إلى حدوث
المجاعات و الكوارث و الحروب و برهانه أن السكان يتم تزايدهم بشكل سلسة
هندسية على الشكل الآتي :
1 2 4 8 16 32 64 128
و سيضاعف عدد السكان باستمرار خلال كل فترة زمنية مقدارها 25 سنة .
على العكس تماماً يعتقد مالتوس
أن زيادة الانتاج ولاسيما "الانتاج الزراعي" لا تخضع للقانون نفسه فالانتاج
سوف يتزايد بشكل متناقص فيما بعد بحسب قانون المردود المتناقص بحيث تكون
زيادة الإنتاج حسب سلسة حسابية على الشكل الآتي :
1 2 3 4 5 6 7 8
التناقص بين هاتين السلسلتين
يشكل في رأي مالتوس نقطة الانطلاق للعلوم الاجتماعية كافة حيث سيبقى السكان
في حدود الفاقة و المأساة إذا لم يحدوا من تزايدهم إلا أنه يحدد بعض
الحلول هي :
كون تحديد النسل ضرورة لابد منها وهو مناف للأخلاق و الدين إذا تم هذا التحديد بعد التزاوج Œ
لذلك لابد من العفة و الامتناع عن الزواج أو تأخيره حيث يعارض مالتوس الطرائق غيرالمشروعة
لمنع الحمل و أما تحديد النسل في أثناء الزواج فلا يمت في نظر مالتوس للأخلاق و الدين بصلة .
العفة قبل الزواج تشمل الرجال كما تشمل النساء .
مطالبة الطبقة الفقيرة بشكل خاص بعدم الزواج أو تأخيره على الأقل , و مطالبة الطبقة الغنية Ž
بعدم لاحسان على الطبقة الفقيرة لأن مساعدتها يشجعها على الزواج و هذا ما حما مالتوس إلى
الوقوف أمام التشريعات التي تدعو إلى عدالة توزيع الثروات بين الأفراد .
تعرضت نظرية مالتوس للانتقادات الآتية :
أ – أنها أرادت تبرئة النظام
الرأسمالي من استغلال جهد العمال و زيادة بؤسهم حين عزت حالة البؤس التي
يعانون منها إلى تزايد أعدادهم و تحملهم مسؤولية الفقر و الاضطاد الذي
يعانون منه .
بـ - لقد بنى مالتوس ملاحظته في
تزايد السكان وفق سلسلة هندسة على أساس التجربة الأمريكية التي كان سبب
التزايد فيها هو الهجرة الأروبية إليها و ليس بسبب الولادات كما أكدت
التجربة التاريخية و خصوصاً في قارة أوربة على أن السكان لا يتزايدون كل
خسمة و عشرين سنة ووفق سلسلة هندسية .
جـ - ليس صحيحاً كذلك ما قاله
مالتوس من تزايد الإنتاج وفق سلسلة حسابية لأن التقدم التقني ولا سيما في
المجال الزراعي و الصناعي و الحيواني أسهم في تزايد الإنتاج أسهاماً كبيراً
يتناسب و حاجات الإنسان .
ء – إن التجربة التاريخية كذلك
ونضال نقابات العمال في الدول الرأسمالية لم تؤيد مالتوس في أطروحته حول
ترافق زيادة السكان مع بؤس العمال .
هـ - برغم تزايد سكان العالم في
الوقت الحاضر بشكل يفوق التزايد وفق سلسلة هندسية في بعض المناطق فإنها
خرجت من دائرة المجاعة وقد حققت الدولتان اللتان تشكلان 38 % من سكان
العالم وهما الصين و الهند فائضاً غذائياً في النصف الثاني من القرن
العشرين .
المبحث الثاني :
أهمية أفكار مالتوس تأتي في
الدرجة التالية بعد موقفه من تزايد السكان من دفاعه عن الملكية العقارية و
خصوصاً ملكية الأرض , فقد اهتم مالتوس في ملكية الأرض و في الريع المخصص
لها نتيجة اهتمامه في ارتفاع أسعار الحبوب ما سمي فيما بعد القانون "الريع
التفاضلي" عندما بين أن أسعار المنتجات الزراعية يجب أن تساوي تكلفة
إنتاجها في الأرض الأقل خصوبة برغم أن أسعار كثير من المنتجات أي المنتجات
التي أنتجت في الأرض الخصبة سوف تباع بسعر يفوق تكلفة إنتاجها .
هذا الموقف لمالتوس هو أول
تطبيق لما نسميه اليوم بتحديد الأسعار على أساس التكلفة الحدية . يبدو أن
نظرية مالتوس في الريع لا تهدف إلى تفسير الريع بحد ذاته بقدر ما تسعى إلى
شرح أسباب ارتفاع الأسعار التي لا تأتي من الريع إنما من الحاجة إلى زراعة
أراض جديدة أقل خصوبة نتيجة تزايد السكان .
الفرع الثالث :
أشهر كتبه كان بعنوان : دراسات في الاقتصاد السياسي
المبحث الأول:
يعتبر ساي نفسه امتداداً لآدم
سميث برغم أنه في الحقيقة يهدم نهائياً فكر آدم سميث و يتضح ذلك من مجمل
أفكاره حيث ينطلق من فكرة أن الإنتاج يتم بفضل عوامل ثلاثة :
العمل و رأس المال و العوامل الطبيعية التي تتضمن الأرض و أن
الدخول المولدة من تلك العوامل الثلاثة هي : الأجور و الأرباح و الريع و
تتحدد قيمة كل منها في السوق حسب العرض و الطلب .
لفهم نظام ساي يجب فهم نظريته
في القيمة حيث يعتقد أن قيمة البضائع تتألف من المواد الأولية و الأرباح و
الأجور المدفوعة من أجل انتاجها .
أي ان قيمة البضاعة تراوحت عنده بين تكاليف انتاجها و منفعتها .
و يعتقد أن أجر العمل و ربح رأس
المال و أجرة الأرض تتحدد بشكل منفصل كل عن الآخر و إن قيم البضائع تتحدد
بجمع الأنواع الثلاثة من الإنفاق .
و الحقيقة أن هذا التحليل يتميز
بالسذاجة لأنه يهمل حقيقة واضحة و هي أن الملاك العقاريين و الرأسماليين و
العمال يأخذون مخصصاتهم من مجموع الإنتاج أي أن ما يأخذه كل منهم لا يمكن
أن يتم بمعزل عما يأخذه الآخرون .
و يمكن أن نشير إلى الملاحظات الآتية :
1 )) إن نظام ساي و أتباعه لم
يطرح كيف يتم تحديد الأجور عن طريق التوازن بين العرض و الطلب . ولا سيما
أن آلية السوق لا تستطيع التخلص من البطالة ولا تضمن الاستخدام الكامل
للمعدات الرأسمالية .
2 )) أما عن الأرباح فإنه من
السذاجة أيضاً الاعتقاد بأن الربح هو سعر خدمات رأس المال و أنه يتحدد
بقانون العرض و الطلب و ذلك لأن رأس المال لا يطلب و إنما يدخل في حوزة
أصحاب المشاريع و بنفس الوقت سوق رأس المال تهم فقط عمليات الإقراض و يكون
السعر حينذاك هو سعر الفائدة وليس سعر الربح .
3 )) اتباع ساي فيما بعد
افترضوا أن أي رأس مال مستثمر في المشاريع هو بالضرورة رأس مال مستقرض و
لذا فإنهم خلطوا بين ربح رأس المال و فائدة رأس المال و هذا مخالف بالتأكيد
للحقيقة.
فالجزء الأكبر من رؤوس الأموال المستثمرة في المشاريع هو دائماً ملكية لأصحاب المشاريع أنفسهم .
المبحث الثاني:
التخلي عن مفهوم العمل المنتج و العمل غير المنتج
يرفض ساي التمييز المقدم من قبل
سميث بين عمل منتج و عمل غير منتج و لا يعتبر العمل المنتج حصراً العمل
الهادف إلى صنع جسم مادي و يقول أن هناك منتجات غير مادية يمكن تبادلها مثل
"صناعة الطب" حسب تعبير ساي .
إن ملاحظة ساي حول "صناعة الطب" صحيحة .
يدعم ساي بأن كل من يبادل خدمة معينة مقابل أجر معين يعتبر منتجاً و لذلك فإن العسكريين و الموظفين الإداريين في نظره منتجون .
و هو يعتقد أن الموظفين و
العسكريين منتجون وليس بسبب كون النفقات العامة التي يكلفوها تعود من جديد
إلى المجتمع و إنما بسبب الأمن و الخدمات التي يقدموها . لكنه يميز بين
بضائع دائمة و بضائع تستهلك بسرعة .
في الحقيقة ساي حطم كل المقاييس التي تسمح بالتمييز بين الإنتاج و بين الخدمات الإدارية في مجتمع ما .
المبحث الثالث :
شرح قانون المنافذ :
تعود إلى قانون المنافذ شهرة
ساي فقد بلغ بهذا القانون قمة تفاؤله و ذلك حين اعتقد أن الأزمات التي قد
يمر بها الاقتصاد العالمي ستزول من تلقاء نفسها بفضل قانون مفاده أن كل
إنتاج عندما ينتهي صنعه و عند طرحه في السوق سوف يشكل منفذاً إلى منتج آخر .
أي إن المنتج حين خلقه لسلعة ما
يفتح امكانية شراء سلعة أُخرى مقابلة للسلعة التي أنتجها وهذا يعني أن
السلعة هي نفسها قوة شرائية و لذا فهذه القوة الشرائية تتوقف على مقدار
الإنتاج و إن النقد الذي يؤخذ عوضاً عنها ليس له مهمة سوى إطالة الزمن بين
بيع السلعة الأولى و شراء السلعة الثانية .
و بناءً على ذلك فإن ساي لا
يعتقد بالمخاوف من حدوث أزمات فيض الإنتاج لأن نظام الحرية الاقتصادية الذي
يحدده الربح يكفي لتوجيه المنتجين نحو المنتجات المطلوبة في السوق و التي
هي تعبير عن حاجة المستهلكين و قد يكون هناك كساد مؤقت في المنتجات ناتج عن
عدم وجود منتجات عند المستهلكين يبادلونها مع منتجات أُخرى هم بحاجة إليها
.
نقد قانون المنافذ :
1 )) يهمل ساي في الحقيقة ظاهرة
معروفة وهي ظاهرة الميل إلى الإكتناز التي تعني أن الفرد أو المنتج – و إن
كان يبحث إلى التخلص بأسرع ما يمكن من البضاعة التي بين يديه – فإنه من
غير المؤكد سعيه إلى التخلص بالسرعة نفسها من النقد الذي سيصبح بين يديه ,
بل على العكس من ذلك تماماً فإنه يسعى في بعض الأحيان لتخزين النقد الذي
بين يديه بانتظار فرصة جديدة أفضل لاستخدام ذلك النقد .
2 )) و النقد الآخر هو أن ساي
لا يرى كيف أنه حتى في الحالة التي لا يكون فيها هناك ميل إلى الاكتناز لا
يمكن معرفة كيف يستطيع بعض المنتجين أن يأخذوا المبادرات الأولى لتطورير
انتاجهم.
الفرع الرابع:
أشهر كتبه "أسس الاقتصاد السياسي و الضرائب" و هو المؤلف الذي جعل ريكاردو أكبر اسم بعد اسم آدم سميث .
يختلف فكر ريكاردو كثيراً عن آدم سميث حيث كان ريكاردو أقل تفاؤلاً و ثقافة و أكثر "دوغمائية" و تقنيةً و تجريداً .
أشهر أعمال ريكاردو هي نظرياته في القيمة و في التوزيع وفي التجارة الخارجية .
المبحث الأول:
و بالرغم من أن ريكاردو مثل سميث يبحث عن شروط النمو الاقتصادي فإنه يرى ضرورة تحليل آلية تشكل أسعار المنتجات قبل ذلك .
إذا جردنا العملية الانتاجية
للريع العقاري فسيكون الربح هو الفرق بين سعر البيع و سعر التكلفة . على
المستوى الوطني فإن سعر تكلفة الإنتاج هو الأجور . أي أنه من أجل شرح
الأرباح يجب معرفة :
القوانين التي تحدد الأجور .Œ
القوانين التي تحدد أسعار البضائع .
حيث يرى أن قيمة البضائع تحدد
بكمية العمل الضروري لإنتاج البضاعة و يؤكد أن هذا القانون يلاءم ليس فقط
المجتمع البدائي كما يرى سميث و إنما أيضاً مجتمعنا في الوقت الحاضر .
و يميز ريكاردو على هذا الأساس
بين الثروة و القيمة حيث يقول عن الثروة أنها الأشياء الضرورية و المفيدة و
الممتعة أما القيمة فهي لا تتبع للوفرة و إنما لصعوبة أو لسهولة إنتاجها و
هذه القيمة ذات نوعين :
قيمة استعمالية تتحدد بالمنفعة .Œ
قيمة تبادلية تتحدد بالعمل المبذول في انتاج السلعة .
و يهتم ريكاردو بشكل أساسي بـ القيمة التبادلية .
شروحات ريكاردو حول القيمة كانت
صحيحة إلى حد كبير وهي تتلخص في محاولة ربطه للتغيرات الطويلة الأمد في
الأسعار مع تغيرات انتاجية العمل في وطن ما أو في صناعة ما و انتاجية العمل
في "صناعة الذهب" .
نظرية القيمة عند ريكاردو ليست بسيطة أو عاجزة أمام نقد الآخرين لذا يأخد ريكاردو على نفسه مهمة توضيحها و الدفاع عنها إذ يقول ذلك :
1 )) إن تكلفة العمل لا تبين
قيمة البضاعة إلا إذا كان الإنسان يستطيع إعادة إنتاج تلك البضاعة بشكل غير
محدود . على هذا الأساس فإن قيمة لوحة فنية لا يمكن قياسها بالعمل المبذول
في صنعها .
2 )) يبين ريكاردو أن العمل الفردي لإنتاج سلعة ما يتضمن كذلك العمل اللازم لصنع الآلات و المعدات لعملية إنتاج تلك السلعة .
3 )) أرباح رأس المال تشكل
جزءاً من أسعار البضائع لذلك فإنه عندما يتم عزل الريع العقاري فإن السعر
يتكون من الأجور التي تتناسب مع تكلفة العمل ومن الأرباح التي تتناسب مع
كمية رأس المال اللازم للانتاج .
هذا يعني أن سعر بضاعة ما ليس فقط تكلفة العمل المبذول في إنتاجها و كمية رأس المال المحددة كذلك على أساس العمل .
مهما يكن فإن ادخال رأس المال كعنصر محدد مع العمل في قيمة العمل مناقض لقانون القيمة التبادلية نفسه الذي يدافع عنه ريكاردو .
المبحث الثاني :
تعتبر نظرية توزيع الدخول
النظرية الأكثر أصالة و تأثيراً في كتابات ريكاردو و تستند هذه النظرية
بشكل أساسي على تقسيم الدخول على ثلاثة أنواع هي :
ريع الملاك العقاريين و أجور العمال و أرباح الرأسماليين .
و يحدد ريكاردو في هذا المجال ثلاثة قوانين :
_ تزايد الريع العقاري من الزمن .
_ هبوط بطئ الأجور الاسمية رغم
أن الأجور الحقيقية تبقى ثابتة في مستو منخفض محدد بواسطة الحد الأدنى
اللازم لمعيشة الإنسان و تكاثره .
_ هبوط نسبة أرباح الرأسماليين .
أولاً :نظرية ريكاردو في الريع :
يستند ريكاردو في نظريته للريع بشكل أساسي إلى نظريته في القيمة أي أنه يبجث عن تحديد للريع بواسطة العمل المبذول في انتاج منتج ما .
شرح نظرية ريكاردو في الريع :
السعر الطبيعي لمنتج ما يساوي تكلفته الحدية (تكلفة آخر وحدة منتجة منه) و الريع ليس بعيداً عن ذلك لأنه يتعلق بالتكلفة الحدية .
في الحقيقة ينطلق ريكاردو من
القول إن السكان في تزايد تماماً كما يعتقد مالتوس و بالتالي فإن الحاجات
المادية في تزايد أيضاً و خصوصاً منتجات الأرض .
الإنتاج و بشكل خاص الإنتاج
الزراعي لا يمكن أن يزداد بشكل متناسب مع كمية العمل المبذولة في الأراضي
المزروعة , أي أن قانون المردود المتناقص , أو قانون المردود غير المتناسب
يطرح نفسه , فمن أجل زيادة الإنتاج الزراعي يجب زراعة أراض جديدة لم تكن
مزروعة سابقاً و ستكون هذه الأراضي حكماً أقل خصوبة و لهذا السبب فإن
المنتجات الزراعية المنتجة ذات تكلفة تبعاً للأرض التي تنتجها و انطلاقاً
من حتمية وحدة الأسعار هذا السعر الموحد يكون حكماً محدداً بالتكلفة في
الأراضي الأقل خصوبة .
لذلك فإن زيادة السكان و تزايد
حاجاتهم من المنتجات الزراعية تزيد من أسعار تلك المنتجات و بالنسبة
للمستثمرين تولد هذه الحالة أرباحاً مختلفة تبعاً لخصوبة الأراضي التي
يستثمرها فإذا كانت الأراضي خصبة فإن تكلفة انتاج المحاصيل الزراعية أي
تكلفة العمل تكون منخفضة بعكس الحال إذا كانت الأراضي أقل خصوبة فإن تكلفة
إنتاج المحاصيل الزراعية سوف تزداد نتيجة زيادة العمل المبذول فيها و
الناتج قلة الخصوبة و هذا يعني أن أرباح المستثمرين ليست واحدة و هناك
دائما ربح تفاضلي .
أي أن ريع الأرض في تزايد مستمر و يختلف حسب خصوبة الأرض و لذا يسمى ب "الريع التفاضلي"
كما أن الأرض نفسها تتمتع بخاصة
استمرار و زيادة قيمتها لأن عدد السكان ينزع دوماً إلى التفوق على مجموع
ما تقدمه الأرض المزروعة من غذاء حسب رأي مالتوس و ريكاردو .
و يرفض ريكاردو ادخال الريع ضمن
عناصر الإنتاج و على هذا الأساس يفسر الريع بـأنه نتيجة لارتفاع أسعار
المنتجات الغذائية الناتج عن زيادة مقدار العمل اللازم للإنتاج .
كما يشير ريكاردو إلى "قانون
المردود غير المتناسب" أو "قانون الغلة المتناقصة" أو "قانون الريع
المتناقص" و مفاد هذا القانون أن أي زيادة في رأس المال و في العمل المبذول
في زراعة أرض ما تؤدي حتماً إلى زيادة مقابلة في غلة الأرض لكن نسبة زيادة
الغلة لا تعادل نسبة زيادة رأس المال بل تكون حتماً أقل منها . كما أن
إمكانية زيادة المحصول في أراض معينة ممكن في حد ما فقط .
زيادة الاستثمار في أراض معينة
تعطي في البداية زيادة في الإنتاج تفوق الزيادة في الاستثمار لكن زيادة
الانتاج سوف تبدأ في التناقص حتى تصبح أقل من نسبة زيادة الاستثمار إلى أن
نصل على حد لا تعطي فيه زيادة رأس المال و زيادة العمل أي زيادة في الإنتاج
.
خصائص الريع في نظرية ريكاردو :
1 )) التزاماً بنظرية القيمة
التي تعتبر أن العمل مصدر القيمة و مقياسها ينظر إلى الريع أو إلى أجرة
الأرض على أنه تكلفة زيادة كمية العمل المبذول في إنتاج وحدات جديدة سواءً
أكانت في أراض أقل خصوبة من الأراضي التي كانت مزروعة مع زيادة كمية العمل
المبذول من أجل الحصول على نفس كمية الإنتاج .
2 )) يتحدد سعر بيع المنتجات
الزراعية , و هو السعر الذي يحدد فيما بعد مقدار الريع تبعاً لمقدار العمل
المبذول في إنتاج الوحدات التي أنتجت في أصعب الظروف و يكون سعر المنتجات
واحداً في السوق وهو دائما السعر الأعلى أو تكلفة الإنتاج آخر وحدة و
بالطبع يكون السعر واحداً نتيجة المنافسة التي تسعى إلى البيع بأقل الأسعار
شريط ألا يقل عن تكلفة لإنتاج آخر وحدة .
3 )) لا يدخل ريكاردو الريع
كعنصر من عناصر الإنتاج يرى أن الريع هو نتيجة لارتفاع الأسعار ليس سبباً
في ارتفاع الأسعار و إن ارتفاع الأسعار انسجاماً مع نظرية القيمة و هو
نتيجة عمل إضافي .
4 )) نظريته في التجارة
الخارجية المنسجمة تماماً مع نظريته في الريع حيث يرى ضرورة اللجوء إلى
الاستيراد بدلاً من استثمار أراض جديدة إذا كانت أسعار المنتجات المستوردة
مضافاً إليها أجور النقل أقل من التكلفة الإضافية في كمية العمل الضرورية
لاستثمار الأراضي الجديدة .
5 )) تشكك نظريته في الريع في
حق المالك في الحصول على الريع لأن ريكاردو يحاول أن يسند هذا الريع إلى
العمل المبذول في إنتاج الوحدات الإضافية تارةً و إلى ارتفاع أسعار
المحاصيل تارة أُخرى .
6 )) من أجل
الوصول إلى الموضوعية و عدم الوقوع في التناقض يأخذ ريكاردو بقانون المردود
غير المتناسب من أجل تفسير الريع الذي يحصل عليه المالك نتيجة زيادة كمية
العمل المبذولة في نفس الأرض .