السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
التدخلية
التدخلية interventionnisme مقولة تدل على تدخل السلطات العامة في النشاط الاقتصادي والحياة الاجتماعية، بقصد توفير العدالة الاجتماعية بين المواطنين وتيسير النشاط الاقتصادي بغير عقبات، بما يوفر القوة الاقتصادية للدولة والرفاهية للمواطنين. التدخلية ليست وضعاً وسطاً بين الرأسمالية، باعتبار أنها (التدخلية) تقيد حرية النشاط الخاص، وبين الاشتراكية لأنها «التدخلية» تقر الملكية الخاصة لرؤوس الأموال. ولا يمكن فهم جوهر التدخلية إلا باستعراض عملية تطورها التاريخي المعقد. ومع هذا يمكن التأكيد بأن التدخلية تعبير عن رغبة المجتمع، ممثلاً بالدولة، بضبط العلاقات الاقتصادية والاجتماعية بين أعضاء المجتمع بما يحقق أكبر انسجام ممكن بينهم، ويقلل من إمكان حدوث الصراعات والتصادم، بما يوفر للمجتمع نمواً متصاعداً وقوة متزايدة.
المنظور التاريخي
تطورت المجتمعات البشرية خلال مسيرتها من أشكال دنيا للتنظيم إلى أشكال عليا منه، وفي الوقت ذاته تغيرت أشكال السلطة من الزعامة الفردية إلى حكم الأسياد فسيطرة الإقطاعي حتى قيام الدولة العصرية، بمؤسساتها وتنظيماتها السلطوية والحقوقية والاقتصادية. ومع قيام الدولة العصرية لمست السلطات العامة ضرورة تدخلها في الحياة الاقتصادية لتأمين قوة الدولة في علاقاتها الخارجية (التجارية)، إضافة إلى تدخلها في الحياة الاجتماعية (لضبط حركة التناقضات في المجتمع). في البداية تركزت التدخلية في النشاط الاقتصادي لتوفير نمو أفضل للقوى الإنتاجية في المجتمع وحماية النشاط الاقتصادي من منافسة الخارج من جهة وتأمين تفوق السلع الوطنية على مثيلاتها في الخارج من جهة أخرى.
بلغت التدخلية الاقتصادية ذروتها في القرن السابع عشر مع سيطرة التجاريين Mercantilistes في كل الدول الأوربية العصرية، إذ فُرض قيود عديدة على النشاط الاقتصادي لتأمين تحقيق ميزان تجاري رابح وزيادة تجميع النقود الثمينة (الذهب والفضة)، إضافة إلى تحقيق مزيد من القوة الاقتصادية والعسكرية للدولة.
تركز تدخل الدولة في ظل سيطرة التجاريين في كل أوربة على وضع قواعد لتنظيم الإنتاج، فرض تدابير الحماية الجمركية، فرض رسوم عالية على الواردات من المواد المصنوعة وإعفاء المواد الأولية منها. وعلى العكس من ذلك فرضت رسوم عالية على تصدير المواد الأولية وأعفيت الصادرات الصناعية من أي رسوم، بل أحياناً كانت تستفيد من مساعدات الدعم.
وعرفت التدخلية تراجعاً ملحوظاً في القرن التاسع عشر مع ظهور مدرسة الحرية الاقتصادية[ر]، بزعامة آدم سميث ودافيد ريكاردو. فقد سعى مفكرو مدرسة الحرية الاقتصادية إلى بيان أهمية الحرية الاقتصادية وتوقف الدول عن التدخل في الحياة الاقتصادية في توفير أفضل الشروط لتحقيق النمو الاقتصادي ورفع فعالية النشاط. وفي الوقت الذي كان علماء الاقتصاد الإنكليز (سميث وريكاردو) وغيرهما يدافعون عن مبدأ الحرية الاقتصادية، لتمتع الاقتصاد الإنكليزي بتفوق كامل، كان علماء الاقتصاد في الدول الأوربية الأخرى يؤكدون ضرورة التدخل الحكومي لحماية الاقتصادات الوطنية من المنافسة الخارجية. وفي القرن العشرين، ومع انتهاء تقسيم المستعمرات بين الدول الأوربية الصناعية، وبروز دول صناعية منافسة لإنكلترة، عادت الاتجاهات التدخلية للظهور وبخاصة في فترة ما بين الحربين العالميتين، ومن ثم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، فقد كانت فترة الإعمار ما بعد الحرب فترة عصيبة بالنسبة إلى أوربة، مما دعا الحكومات إلى التدخل على كل المستويات، حتى إن سنوات ما بعد الحرب العالمية الثانية شهدت توترات كبيرة في العلاقات الاقتصادية الدولية بلغت حد الحروب التجارية بين الدول الصناعية المتقدمة ذاتها، إضافة إلى تدخل الدول في الحياة الاقتصادية الداخلية تقييداً ودعماً، تنظيماً وحصراً، فرضت هذه الدول قيوداً كمية على العلاقات الخارجية، بالإضافة إلى الرسوم الجمركية العالية التي كانت تفرضها على الواردات من الخارج لحماية صناعاتها الوطنية من المنافسة. وفي السنوات الأخيرة، بعد أن تحققت للدول الصناعية المتقدمة كل شروط التفوق الاقتصادي، عادت الدعوة إلى الحرية الاقتصادية وإلى تحرير التجارة الدولية، بعد أن اتفق ممثلو الدول الصناعية على تقاسم الكعكة بتقديم تنازلات متبادلة تحمي المصالح الوطنية لكل من هذه الدول، على حساب باقي دول العالم.
التدخلية ونظرية الحرية الاقتصادية
يتمثل جوهر نظرية الحرية الاقتصادية بأن الأفراد في سعيهم لتأمين مصالحهم، كل بمفرده، يحققون التقدم الاقتصادي في المجتمع، أكثر مما لوسعت الحكومات لتوفير هذا التقدم من خلال تدخلها في النشاط الاقتصادي. وكان آدم سميث يسمي الحرية الاقتصادية أو لعبة السوق بالعصا السحرية التي تحقق النهوض الاقتصادي. وتقوم نظرة الحرية الاقتصادية على أن تقوم الدولة بتوفير الحماية والأمن ورعاية النظام تاركة للأشخاص حرية النشاط الاقتصادي على النحو الذي يرونه مؤمناً لمصالحهم. ولكن الحرية الاقتصاديةكانت دائماً مجرد شعارات مرفوعة، وحتى أنه لولا التنظيم الحكومي ما أمكن توفير الحرية الاقتصادية لأحد، فالحرية الاقتصادية تتطلب تدخلاً حكومياً في تنظيم الاقتصاد الوطني وتوفير الشروط الملائمة للنشاط الاقتصادي.
ضرورة التدخل الحكومي
يرى بعض الاقتصاديين أن دعوة مؤسسي مدرسة الحرية الاقتصادية، وكلهم من الإنكليز، جاءت تعبيراً عن المستوى الرفيع الذي بلغه الاقتصاد الإنكليزي، مقارناً بالاقتصادات الأخرى، إذ إن الحرية الاقتصادية توفر للاقتصاد الإنكليزي، على الهدر الذي قد تقود إليه، توفر لهذا الاقتصاد تفوقاً أكبر يعوض على إنكلترة أضعاف ما تخسره بفعل الحرية الاقتصادية (الخسارة هنا مفهوم نسبي ويعني الهدر في حالة عدم تدخل الدولة)، غير أن تطور الاقتصادات الأوربية وانتقالها إلى مرحلة منافسة البضائع الإنكليزية دفع بالعديد من الاقتصاديين الإنكليز، وعلى رأسهم اللورد جون ماينرد كينز J.M.Keynes، إلى القول بتدخل الدولة في تنظيم الحياة الاقتصادية لتلافي حدوث الأزمات أو للتخفيف من آثارها، إضافة إلى تنامي مظاهر التدخلية في الحياة الاقتصادية والاجتماعية عملياً في عموم دول أوربة، جاء كتاب اللورد كينز «النظرية العامة في التشغيل والفائدة والنقود» عام 1936، ليؤسس منظومة نظرية جديدة في التدخل الحكومي، اعتماداً على منهج التحليل الكلي أو الجمعي macroconomique لتحقيق هدف التشغيل الكامل، بالمحافظة على مستوى عالٍ من الاستثمار بفضل سياسة مالية تسليفية، قائمة على معدلات فائدة منخفضة وسياسة زيادة الإنفاق العام. بعد كينز، لم يعد بين الاقتصاديين المعاصرين من يردد قول مؤسس نظرية الحرية الاقتصادية «دعه يعمل دعه يمر» بل وجدت التدخلية دعاةً لها وأنصاراً في كل البلدان وفي كل مجالات الحياة، وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، وحتى المؤسسات الخاصة (القطاع الخاص) الذي كان يرى في تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية شراً مستطيراً، تغير موقفه كثيراً بعد الأزمة الاقتصادية الكبرى 1929- 1933، وصار يدعو إلى تدخل الدولة للتخفيف من الصعوبات التي تواجهها الشركات الرأسمالية الخاصة، وصارت مقولات مثل المعونات، شراء المؤسسات، تثبيت الأسعار، الاتفاقيات المفروضة والمنافسة المحدودة مطالب تتكرر على ألسنة رجال الأعمال وفي مذكرات منظماتهم الموجهة للدولة. في الوقت الراهن لا توجد دولة واحدة في العالم، وخاصة تلك التي تقول باقتصاد السوق وبالحرية الاقتصادية إلا وهي تلجأ إلى إجراءات تدخليه اقتصادية واجتماعية عديدة لحماية الوحدة الوطنية من الهزات والثورات من ناحية، وتوفير المقومات الأساسية لتحقيق النمو الاقتصادي من ناحية أخرى، أما في دول الاقتصاد الموجه وفي دول التخطيط الاقتصادي[ر] فإن التدخلية هي الأساس، وفي إطار التوجيه والتخطيط الاقتصادي،ترسم حدود الحرية الاقتصادية،بما لا يتعارض مع الصالح العام. كل أولئك يشير إلى توسع متزايد في دور الدولة الاقتصادي برضا ودعوات من رجال الأعمال ومنظماتهم.
توسع دور الدولة الاقتصادي
منذ نشأة الدولة العصرية وممارستها سيادتها في حدود سياسية معينة، أثرت تأثيراً ملحوظاً في النشاط الاقتصادي،سواء لحماية اقتصادها الوطني من المنافسةالخارجية أو لإيجاد مجموعة الشروط الملائمة لنمو هذا الاقتصاد بوتائر عالية، ولكن دور الدولة الاقتصادي كان دائماً يتوسع مع بروز النزعات القومية وصدام المصالح فيما بين الدول القومية. لكن تدخل الدولة في الاقتصاد شهد تغيراً كبيراً مع بروز فكرة الاقتصاد المدبّر (الموجه)، أو فكرة التخطيط الاقتصادي، ففي فرنسة مثلاً منذ عام 1946 تجمع ممثلو المؤسسات الخاصة وفيما بعد ممثلو النقابات مع ممثلي الحكومة والإدارات العامة في لجان التحديث Commissions de Modernisation، لإعداد خطة عامة للاقتصاد الوطني. ثم امتد التعاون لتنفيذ هذه الخطة على أساس التزامات متبادلة بين الشركات الخاصة والإدارة الحكومية (مساعدات حكومية، موافقة المؤسسات الخاصة على شروط محددة، وغير ذلك) ومثل هذا الاتجاه بدا في كل الدول الصناعية المتقدمة، وخاصة في مجال تنشيط التقدم التقني ومعالجة القضايا الاجتماعية. في فرنسة مثلاً أعلنت حكومة «آلان جوبيه» إعفاءات ضريبية وإعانات مالية لتشجيع إقامة المشروعات في المناطق الأقل نمواً والتي تعاني معدلات بطالة مرتفعة، وفي كل الدول الأوربية صارت برامج البحث والتنمية جزءاً مكملاً لنشاط المؤسسات الحكومية، كما صار الإنفاق العسكري أحد العوامل الرئيسة في تحسين المستوى التقني، ورفع معدل الكفاية الإنتاجية في المشروعات العامة والخاصة على السواء.
إضافة إلى ذلك، تشجع حكومات الدول المتقدمة تركُّز الشركات واندماجها بعضها مع البعض الآخر من أجل مواجهة المنافسة الخارجية، كما توقع هذه الحكومات مع بعض المشروعات الخاصة «عقوداً للتنمية» Contrats de Developpement في مجال المعلوماتية والإلكترونيات، تقدم الحكومات بموجبها مساعدات مالية للشركات مقابل تحقيق إنجازات معينة في مجال زيادة الإنتاج رفع مستوى التركز في الشركات، إضافة إلى المساهمة في معالجة بعض المسائل الاجتماعية (زيادة فرص العمل، رفع مستوى التأهيل والتدريب، زيادة مخصصات البحث العلمي، وغير ذلك).
تطورت التدخلية من مجرد تولي الحكومات حماية الجانب الاجتماعي إلى مشاركتها في تدبير الاقتصاد (التوجيه الاقتصادي)، ومن الاقتصاد المدبر (الموجه) إلى الاقتصاد التعاقدي بين مؤسسات الدولة والمشروعات الخاصة. والتدخلية في تطورها شملت جوانب اجتماعية واقتصادية في توسع مستمر، مع رفع شعارات الحرية الاقتصادية، ذلك أن ضرورات النمو الاقتصادي اقتضت مزيداً من التدخل وتوسعاً في مجالاته.
أشكال التدخّل الحكومي وأنواعه
منذ قامت الدول القومية المستقلة على بقاع محددة من الأرض، شعرت الحكومات بضرورة تدعيم دورها التدخلي في كل مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، مدفوعة بأهداف وغايات مختلفة،منها تدعيم سيادتها على الأرض، معالجة القضايا الاجتماعية، انطلاقاً من روح العدالة وتلافياً للاضطرابات الشعبية، بالإضافة إلى تدعيم مسيرة النمو الاقتصادي لضمان رفع مستوى الرفاه الاجتماعي. وقد لمست الحكومات في بعض الأحيان عجز القطاع الخاص عن القيام بالمشروعات الضرورية للاقتصاد الوطني، مما دفع هذه الحكومات لتقديم العون والحماية للمشروعات التي تراها ضرورية لحسن سير الاقتصاد الوطني، وفي كثير من الأحيان كانت الحكومات تبني المشروعات وترعاها حتى تصبح رابحة فتبيعها إلى القطاع الخاص، وفي أحيان أخرى كانت تدخل شريكاً لتوفر الضمانة لرؤوس الأموال المستثمرة. وانطلاقاً من دافع العدالة كانت الحكومات مدفوعة بالعامل الديني، تسعى للتدخل لحماية الضعفاء اقتصادياً، ولعل أفضل سند للخلفية الدينية لتدخل الحكومات ما أقره فقهاء المسلمين في مبدأي المصالح المرسلة[ر] وسد الذرائع[ر] وإعطاء أمير المؤمنين حق التدخل في تحقيق الأمور التي يكون فيها مصلحة للمسلمين، ومنع الأمور التي قد تلحق الضرر بهم. شمل تدخل الحكومات كل جوانب الحياة، مثل حماية العمل والضعفاء اقتصادياً، تنظيم الشؤون النقدية والمالية وشراكة القطاع الخاص:
آ ـ حماية العمل والضعفاء اقتصادياً: درجت معظم حكومات العالم على سن تشريعات مشددة لحماية الأطفال والنساء من شروط العمل القاسية، كما ألزمت أصحاب العمل توفير الشروط الصحية في أماكن العمل وإشراك العاملين في التأمينات الاجتماعية[ر]، لضمانهم أثناء إصابات العمل وتوفير رواتب الشيخوخة، كما سنت قوانين تحديد الحد الأدنى للأجور ودفع تعويضات البطالة، إضافة إلى توفير التأمين الصحي للعاملين، إلى جانب ذلك سعت الحكومات إلى توفير حماية أكبر لسكانها المحليين من المرض والبطالة عن العمل، إضافة إلى مساعدة الأسر كثيرة الأعداد، وتقديم المعونات النقدية أو العينية للسكان الضعفاء اقتصادياً (مثل دعم أسعار المواد التموينية الرئيسة، أو دفع تعويضات غلاء الأسعار، وحتى توزيع بعض المواد على طلاب المدارس في المناطق والأحياء الفقيرة، وخاصة في الأرياف)، ومن أجل تقريب الفروق بين الفئات الاجتماعية وتحقيق عدالة أكبر في الأعباء، تشرع الحكومات سياسات ضريبية تراوح بين الإعفاءات الضريبية من ناحية والضريبة التصاعدية على شرائح الدخل العليا من ناحية ثانية، كما تلجأ الحكومات إلى منح مزايا ضريبية في المناطق المتخلفة المكتظة بالسكان، والتي تعاني نسبة بطالة عالية، إضافة إلى ذلك تلجأ بعض الحكومات إلى فرض رسوم عالية على الثروات وعلى المواريث، وحتى إنها تلجأ أحياناً إلى التأميم بعد حد معين من الثروات المتراكمة لدى بعض الأشخاص.
ب ـ تنظيم الشؤون النقدية والمالية:تكفي الإشارة إلى تطور عملية إصدار النقود لنتبين مدى تطور دور الدولة في هذا المجال، فقد كانت النقود في البداية ذات قيمة ذاتية تستمدها من المعادن المصنوعة منها: الذهب والفضة، ثم ظهرت مؤسسات سك النقود الحكومية، وبعدها ظهرت مصارف الإصدار، واعتمدت على سياسات الحسم وإعادة الحسم[ر]، وسياسات القروض وغيرها، لتحقيق أهداف محددة تريدها الحكومات. وكانت النقود الورقية التي تصدرها الحكومات مرتبطة بالتغطية الذهبية، ثم صارت الحكومات تعطي للأوراق النقدية قيمتها الاسمية بصرف النظر عن تغطيتها الذهبية، وفيما بعد جاء اللورد كينز ليؤسس لنظرية الإصدار النقدي الورقي وتحرير المصارف من التغطية بإخضاع الإصدار النقدي لدوافع اقتصادية. ومثل هذا الأمر ينصرف حالياً إلى العلاقات التجارية الدولية، إذ استُبدلت قاعدة التبادل بالذهب بقاعدة التبادل بالعملات الدولية القابلة للتحويل (الدولار والجنيه الاسترليني)، وهكذا حل تدخل الدولة محل العلاقات الموضوعية في تبادل السلع بالنقود.
ج ـ شراكة القطاع الخاص: في بعض المجالات لا يجد القطاع الخاص إغراءات كافية لاستثمار أمواله، أو أنه يخشى عدم النجاح، لهذا تعمد الحكومات إلى مشاركة القطاع الخاص في تحمل المخاطرة، وبنفس الوقت تعمل على إشراك ممثلي القطاع الخاص في المجالس واللجان التي تشرف على النشاط الاقتصادي. ففي سورية مثلاً تقوم شركات مشتركة كثيرة بمشاركة القطاع العام في السياحة والصناعة والزراعة، وفي كل المجالات، كما يشارك ممثلو غرف الصناعة والتجارة وممثلو الاتحاد العام لنقابات العمال واتحاد الفلاحين في الهيئات الاقتصادية القيادية، مثل اللجنة الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء، لجنة ترشيد الاستيراد والتصدير، المجلس الزراعي الأعلى، المجلس الأعلى للسياحة والمجلس الأعلى للتخطيط وغيرها، وعلى أن الاقتصاد السوري اقتصاد موجه للدولة فيه الدور القيادي، فإنه في السنوات الأخيرة يفسح المجال أمام القطاعين الخاص والمشترك، أسهم إسهاماً متزايداً في الاقتصاد الوطني، ولكن في إطار التوجه العام للدولة، وفي إطار التدخلية المركزية.
والخلاصة، فإن التدخلية ليست نظرية أو مذهباً، وإنما هي ممارسة تطبيقية تحولت مع الزمن من مجرد إجراءات تجريبية إلى تدخل منظم، قادت إليه الضرورات الاقتصادية والاجتماعية. وفي الوقت الراهن، بعد انتهاء الحرب الباردة[ر]، ظهر نوع من التدخلية لدوافع سياسية مثل فرض العقوبات الاقتصادية[ر] على بعض الدول، سواء لانتهاجها سياسات لا تتوافق مع رغبات الدول العظمى أو لارتكابها بعض الأعمال التي لا تتفق مع الأعراف الدولية، وبذلك تكون التدخلية قد خرجت إلى الصعيد العالمي، مثل فرض الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على الشركات (حتى غير الأمريكية)، التي تتعامل مع دول تراها الولايات المتحدة الأمريكية خارجة على الشرعية الدولية، وفي كثير من الأحيان تكون الغاية من فرض هذه العقوبات ليس معاقبة الدول «الخارجة» على الشرعية الدولية، وإنما معاقبة شركائها التجاريين، لتوفير شروط منافسة أكبر للشركات الأمريكية. من هنا يمكن فهم موقف الاتحاد الأوربي المعارض من التشريع الأمريكي لمعاقبة الشركات التي تتعامل مع إيران وليبية وكوبة.
منقــول للأمــــــــــــــــــــــــــــانة
أنتظر ردوكـــــــــــــــــــــــــــــــم
ســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلام