السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السعر
السعر price هو القيمة التجارية (البيعية ـ الشرائية)، لسلعة ما عند نقل ملكيتها من البائع إلى المشتري. ويعرف السعر أيضاً بأنه العلاقة بين كميتين من بضاعتين معروضتين للمبادلة أو أنه الكمية التي يحب التخلي عنها من سلعة معينة للحصول على كمية محددة من سلعة أخرى سواء كانت مادة للاستهلاك أو سلعة إنتاجية أو خدمة معينة، أما في الاقتصاد النقدي حيث يكون النقد المعادل العام للأسعار، يكون السعر هو كمية النقد التي يجب دفعها للحصول على وحدة من السلع أو الخدمات المتبادلة.
السعر والقيمة
لأي سلعة أو خدمة قيمتان: قيمة استعمالية بحيث أنها تحقق منفعة لمستهلكها، وقيمة تبادلية تتمثل في قدرة هذه السلعة أو الخدمة في مبادلتها بسلعة أو خدمة أخرى. تأخذ النظريات الاقتصادية الذاتية بمفهوم القيمة الاستعمالية للسلعة، ومن ثم يكون السعر حسب هذه النظريات معادلاً للمنفعة التي تقدمها السلعة لمستهلكها. ويتحدد كذلك حسب وفرة السلعة أو ندرتها من جهة وكذلك حسب العلاقة بين الكمية المعروضة والمطلوبة منها من جهة أخرى. حسب النظريات الذاتية فإن القيمة التبادلية تابعة للقيمة الاستعمالية، وليس لها أساس موضوعي تعتمد عليه. أما نظرية القيمة العمل أو ما تسمى بالنظرية الموضوعية (نظرية كمية العمل اللازم اجتماعياً لإنتاج السلعة) فالسعر ليس القيمة التبادلية للسلعة وإنما هو تعبير عنها فقط. بحيث أن السعر يتحرك حول القيمة التبادلية(كمية العمل الاجتماعي) تبعاً لشروط السوق التي يجري فيها التبادل، يرتفع السعر عن القيمة عندما يزداد طلب السلعة على الكمية المعروضة منها في حين أنه ينخفض عن القيمة عندما يكون المعروض من السلعة أكبر من الكمية المطلوبة منها.
السعر وحالة السوق
يتألف سوق أي سلعة أو خدمة من مجموع الزبائن المجتملين من مشترين أو بائعين الحاليين منهم أو المستقبليين، ولهذا يمكن، في ضوء عدد العارضين والطالبين، تصنيف الأسواق إلى ما يأتي: سوق المنافسة الكاملة، السوق الاحتكارية[ر: الاحتكار] وسوق المنافسة الاحتكارية. وتتشكل أسعار المواد والسلع في ضوء خصائص أسواقها. كما تتشكل الأسعار على نحو خاص في أسواق التدخل الحكومي كما في بعض حالات التدخل الحكومي في اقتصاد السوق أو في حالة تحديد الأسعار في الاقتصادات المخططة. تختلف آلية تشكل السعر، كما تختلف آلية عمله وممارسة تأثيره في الاقتصاد باختلاف طبيعة الأسواق وخصائصها.
السعر في سوق المنافسة التامة
تتصف سوق المنافسة التامة بوجود عدد غير محدود من العارضين في السوق وكذلك عدد غير محدود من الطالبين وبذلك فإن أياً من العارضين أو الطالبين لا يستطيع التأثير في تشكِّل السعر وإنما يخضع الجميع بحكم الضرورة إلى عمل السوق والعلاقة بين العرض والطلب. عند ارتفاع الطلب مع بقاء العرض على حاله يرتفع السعر وعندما يرتفع العرض مع بقاء الطلب على حاله ينخفض السعر. وهناك حالات متعددة تكون فيها حركة كل من العرض والطلب في تغير بنسب متفاوتة تنعكس هذه الحركة بالضرورة على حركة السعر صعوداً أو هبوطاً. كانت النظرية الاقتصادية قديماً تنطلق من حالة المنافسة التامة في تفسير تشكِّل الأسعار(ل. فالراس) لتنتقل بعدها إلى أوضاع منافسة غير تامة. واجهت نظرية المنافسة التامة انتقادات كثيرة في أن المنافسة التامة نادرة التحقق من جهة ثم أنها تجعل تشكِّل السعر عاملاً خارجاً عن إرادة البائعين والمشترين، في حين أن عارضي السلعة وطالبيها يؤثرون بسلوكياتهم تأثيراً كبيراً في تشكِّل السعر. في الوقت الذي يزداد فيه الطلب، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، يميل المنتجون إلى زيادة عرضهم من السلعة مما يقود إلى انخفاض الأسعار ثانية. من ناحية ثانية عندما تنخفض أسعار سلعة معينة، يميل المستهلكون إلى تحويل طلبهم من السلع المنافسة إلى هذه السلعة فترتفع أسعارها ثانية. وهكذا فإن السعر ليس مجرد عملية تلاقي العرض والطلب، وإنما يؤثر بدوره في تحريك العرض والطلب. قد تقود المنافسة التامة في كثير من الأحيان إلى خروج المنتجين الهامشيين تدريجياً وصولاً إلى وضع احتكار القلة أو إلى الوضع الاحتكاري الكامل.
السعر في سوق الاحتكار
بخلاف منطلق فالراس في تحليل تشكِّل السعر في حالة المنافسة التامة، ينطلق كورنو A.Cournot من حالة الاحتكار للتقرب تدريجياً إلى الحالة الواقعية الملموسة في تشكِّل السعر في السوق. تتمثل السوق الاحتكارية بمواجهة عدد غير محدود من طالبي السلعة أو الخدمة مع منتج واحد يحتكر بيع هذه السلعة أو الخدمة، ومن ثم فإن هذا المحتكر يستطيع أن يحدد السعر بما يخدم مصلحته وزيادة أرباحه. غير أن المحتكر في السوق يضطر أيضاً للتكيف مع ظروف السوق وهو غير قادر تماماً على تكييف شروط السوق مع مصلحته حصراً. صحيح أنه يستطيع أن يؤثر في شروط السوق، ولكنه يتأثر فيها أيضاً. فالمحتكر هو أيضاً شخص اقتصادي يتكيف مع الشروط المفروضة عليه من الخارج، فعندما يختار تحديد السعر وفق هواه فإن الآخرين طالبي السلعة يفرضون عليه، في ضوء قدرتهم الشرائية ومقارنتهم للمنفعة مع السعر الذي يدفعونه، الكمية التي يشترونها. وعندما يختار تحديد كمية الإنتاج من السلعة المعروض منها في السوق، فإن المستهلكين الطالبين يفرضون عليه السعر، نظراً لوجود علاقة بين العرض والطلب والسعر.
وتميل النظرية الاقتصادية إلى الاتجاه نحو طرق وسطية بين المنافسة التامة وبين المنافسة الاحتكارية واحتكار القلة.
السعر في المنافسة الاحتكارية
يحدد تشامبرلن E.H.Chamberlin وضع المنافسة الاحتكارية بأنها وضع وسطي بين المنافسة التامة والاحتكار: يكون العرض من قبل عدد غير قليل من المنتجين ولكن إنتاجهم غير متجانس، أي أن المنتجات التي تعرضها إحدى المؤسسات المنتجة تكون متميّزة عن تلك التي تنتجها شركات أخرى وتعرضها للبيع في السوق بحيث لا تكون هذه المنتجات متعادلة قابلة لإحلال إحداها محل الآخر. ولكن في الوقت ذاته يمكن للمستهلك أن يختار إحداها بدلاً من الأخرى. ويكون التميّز في المنتجات راجعاً لأحد عاملين: تفضيل بعض المستهلكين منتجاً على آخر بسبب موقعه الجغرافي القريب من سكنهم أو مكان عملهم، أو بسبب الشهرة التي تتمتع بها المنتجات وأحياناً بسبب العادات الاستهلاكية. أما العامل الثاني في التفضيل فيرجع إلى سياسة البيع التي يعتمدها المنتج: البيع بالتقسيط، التغليف الجذاب، حملات الترويج. بعض هذه السياسات قد تكون وهمية ولكن لها تأثيرها في قرارات المستهلكين.
إن التميّز في المنتجات يجعل أياً من المنتجين في وضع المنافسة الاحتكارية مشابهاً لوضع المنتج المحتكر وفي الوقت ذاته تلاحظ اختلافات كبيرة بين الوضعين. أحد هذه الاختلافات وجود جوهر مشترك بين المنتجات المتنافسة بين الاحتكارات. والاختلاف الثاني يتمثل في أنه في ظل المنافسة الاحتكارية هناك دائماً إمكانية دخول منتجين جدد إلى مجال المنافسة في حين أنه في حال سوق الاحتكار يبقى المنتج واحداً ويعود له اتخاذ قرار الإنتاج والتوزيع في ضوء سعيه للحصول على أكبر كمية من الربح، مع الأخذ بالحسبان أثر القدرة الشرائية لدى المشترين، وقدرته على رفع مبيعاته إلى الحد الأقصى.
في سوق المنافسة الاحتكارية يكون سعر البيع إرادياً يحدده كل من الشركات المتنافسة وذلك في ضوء أسعار الشركات المنافسة الأخرى، وليس كما في حالة المنافسةالتامة حيث يكون سعر السوق مفروضاً على الجميع، وليس كما في السوق الاحتكارية حيث لا يتقيد المحتكر عند تحديد سعر منتجاته سوى بالقدرة الشرائية لدى طالبي السلعة.
وهكذا فإن السعر في المنافسة الاحتكارية أقرب إلى واقع تشكل الأسعار وتحركها حول القيمة التبادلية للسلع من ناحية، ولتأثره (تشكّل السعر) بالعلاقة بين العرض والطلب من ناحية أخرى. إن سعر المنافسة الاحتكارية هو السعر الأقرب إلى الواقع العلمي في الحياة الاقتصادية. وإذا كان عدد الشركات المتنافسة محدوداً ولم يدخل إلىالسوق منتجون جدد نكون أمام حالة احتكار القلة.
السعر في سوق احتكار القلة
عندما يكون عدد الشركات المنتجة لسلعة معينة محدوداً بحيث أن سلوك أي منها يمكن أن يؤثر على نحو ملموس في آلية عمل السوق يكون الحديث عن احتكار القلة. يكون هناك احتكار قلة عندما يكون تصرف أي من المنتجين قادراً على إفساد آلية السوق مما يستوجب رد فعل من المنافسين الآخرين، في هذه الحالة يتخذ المنتجون قراراتهم في ضوء توقعاتهم مردود أفعال المنافسين، لهذا يكون تشكّل السعر في هذه السوق متقلباً ومختلفاً عن تشكل السعر في الأسواق الأخرى.
في كثير من الأحيان يكون المتنافسون في سوق احتكار القلة على علاقات متواصلة فيما بينهم ولا يسعى أحدهم إلى إزالة الآخرين لهذا يكون السعر قريباً من تكاليف الإنتاج لدى كل منتج مع هامش ربح يحدده المنتج لنفسه في ضوء قدرته التنافسية في السوق.
السعر والتدخل الحكومي
لعوامل سياسية واجتماعية وأخرى اقتصادية تجد الحكومات نفسها مضطرة للتدخل في تشكيل الأسعار، سواء لمنع ارتفاعها في حال المساس بالقوة الشرائية للطبقة العاملة أو لمنع انخفاضها في حال المساس بمستوى معيشة الفلاحين وصغار المنتجين. ويكون تدخل الحكومات إما مباشرة بتحديد حد أعلى للأسعار في حال ميل الأسعار إلى الارتفاع لضمان مستوى معيشة ذوي الدخل المحدود، أو بتحديد حدٍّ أدنى للأسعار لتحقيق سعر مضمون للمنتجين من أجل حمايتهم من الإفلاس، كما ويكون تدخل الحكومات أحياناً على نحو غير مباشر، سواء بتشجيع الإنتاج عن طريق تقديم الإعانات مما يزيد من كمية المعروض من السلع فتتعدل الأسعار دون تدخل مباشر من الدولة، أو بتشجيع الاستهلاك عن طريق تقديم المعونات للضعفاء اقتصادياً فيزداد الطلب على السلع وتتحسن أسعارها. وغالباً ما تعتمد الدول الطريقتين معاً لتحقيق التوازن بين الأسعار ومستويات الدخول مع توفير هامش ربح مقبول للمنتجين يساعدهم على زيادة الإنتاج وتحقيق النمو الاقتصادي.
أما في الاقتصاد المخطط أو الموجه فغالباً ما تتعطل آلية تشكل الأسعار في السوق، إذ تلجأ الحكومات إلى تحديد أسعار السلع والخدمات في ضوء سياسة اقتصادية اجتماعية شاملة. غير أن التجربة بيّنت أن محاولة تشغيل الاقتصاد دون آلية تشكّل أسعار في السوق غالباً ما تقود إلى زيادة في إنتاج سلع غير مرغوب فيها تبقى مكدسة في الأسواق وتمثل هدراً في الثروة القومية من جهة، وإلى نقص في إنتاج السلع المطلوبة، مما يقود إلى بروز ظاهرة السوق السوداء وتباطؤ في النمو أو إلى توقفه نهائياً وفي غالب الأحيان يقود ذلك إلى تشوه في بنية الاقتصاد الوطني.
وظائف السعر
من شأن حرية تشكّل الأسعار في ضوء العلاقة في السوق بين العرض والطلب أن تعطي للأسعار دوراً كبيراً في الاقتصاد الوطني: فالسعر منظومة إعلامية يوفر إشارات مهمة إلى النقص في بعض السلع والفائض في بعضها عن الطلب عليها.
والسعر يشكّل منظومة لتوزيع الدخول أيضاً. ففي اقتصاد السوق يحفز السعر زيادة الإنتاجية ومكافآت عوامل الإنتاج وبذلك يوجه الموارد نحو القطاعات الأكثر تقدماً في الاقتصاد.
والسعر أيضاً يشكل منظومة توجيه ومؤشراً دقيقاً لتوجيه الاستثمارات نحو الفروع التي يزداد الطلب على منتجاتها كما يقود إلى تلافي زيادة الاستثمارات في الفروع التي تعاني فوائض الإنتاج.
وليؤدي السعر دوره على نحو أمثل في الاقتصاد الوطني يُفضل أن تلجأ الدولة، وبصرف النظر عن نظامها الاقتصادي الاجتماعي، إلى التدخل في اعتماد سياسة سعرية تيسر قيام الأسعار بوظائفها الاقتصادية عند حدوث أي خلل في هذه الوظائف.
منقــول للأمــــــــــــــــــــــــــــانة
أنتظر ردوكـــــــــــــــــــــــــــــــم
ســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلام