السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الدولار
الدولار dollar وحدة النقد الأساسية في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد اعتمد على مستوى الولايات المتحدة الأمريكية بتوصية من الرئيس توماس جيفرسون في عام 1792م. وحددت قيمته بموجب قانون النقد الصادر في عام 1792م بـ 371.25 حبة grain من الفضة الصافية أو 24.75 حبة من الذهب الصافي. وقد عدلت قيمة الدولار مراراً حتى استقرت بموجب اتفاقيات بريتون وودز[ر] Bretton Woods بما يعادل 0.8885714 غرام من الذهب الصافي أي 35 دولاراً أمريكياً للأونصة الواحدة من الذهب.
والدولار عملة لعدد كبير من الدول مثل تايوان، كندا، سلطنة بروناي، سنغافورة، أسترالية وغيرها ولكن بقيم مختلفة عن الدولار الأمريكي. وهناك دول صغيرة كثيرة تعتمد الدولار الأمريكي عملات وطنية لها مثل جمهورية جزر مارشال، ميكرونيزية، بالاو وغيرها.
وسيعالج في هذا العرض دولار الولايات المتحدة الأمريكية فحسب مع العلم أن الدول التي اعتمدت الدولار عملتها الوطنية قد أردفت تسميته بنسبته الوطنية. فيقال دولار تايوان، دولار كندا وغير ذلك.
العرض التاريخي
تسمية الدولار مشتقة من عملة ألمانية كانت تسمى تالر Thaller وكانت تمثل في أمريكة في القرن الثامن عشر البيزو الفضي الإسباني. ثم فرض الدولار وحدة نقدية بقرار من الكونغرس الأمريكي عام 1785م. ثم حدد قانون النقد الأساسي (قانون سك النقود) في عام 1792م، الذي اعتمد نظام المعدنين الثمينين (الذهب والفضة)، حدد قيمة الدولار على أساس 20.59 دولار لأونصة الذهب الصافي وما يقابلها من الفضة على أساس معادلة 1غ ذهب = 15 غرام فضة، وفي عام 1835م عدل المعادل الذهبي للدولار على أساس 20.67 دولار لأونصة الذهب. وبقي هذا المعادل ثابتاً حتى عام 1934م. في عام 1934م وعلى أثر الأزمة الاقتصادية الكبرى (1929-1933م) تم تخفيض معادل الدولار الذهبي، ثم خفض ثانية في عام 1971م على أساس الأونصة الواحدة من الذهب تساوي 35 دولاراً وفي عام 1973م أصبح المعادل الذهبي 42.22 دولاراً للأونصة الواحدة.
وتجدر الإشارة أن معادلة الدولار بالذهب بقيت غير ذات معنى على الصعيد الداخلي في الولايات المتحدة حيث أوقف استبدال الدولار بالذهب منذ حرب الاستقلال حتى عام 1879م ومن ثم خلال الحرب العالمية الأولى (1917-1919م) وقد أوقف استبدال الدولار بالذهب داخل الولايات المتحدة نهائياً بدءاً من عام 1933م.
أما فيما يتعلق بقابلية تحويل الدولار إلى ذهب في العلاقات الخارجية فقد بقيت مطبقة فعلياً حتى عام 1968م ثم توقف استبدال الدولار بالذهب حتى مع الخارج في 15 آب 1971م بعد تخفيض المعادل الذهبي للدولار.
نظام الإصدار الاحتياطي الاتحادي
لقد كان الإصدار النقدي في كل بلدان العالم موضع اختلاف بين الاقتصاديين ورجال السياسة، أما في الولايات المتحدة الأمريكية فقد اتخذ هذا الاختلاف طابعاً حاداً بسبب التطورات الكثيرة التي طرأت على نظام الإصدار.
لقد تطور نظام الإصدار النقدي في الولايات المتحدة الأمريكية على مراحل متعددة. في عام 1860م كان يوجد في الولايات المتحدة 700 نوع من الدولارات النقدية المتداولة (صادرة عن مصارف مختلفة وكلها لها ذات المعادل الذهبي والفضي) وفي عام 1863م فرض قانون المصارف الوطني National Banking Act عملة وطنية موحدة وسمح بإصدارها للمصارف «الوطنية» المعتمدة من قبل الكونغرس والعاملة على مستوى الولايات.
وفي عام 1913م ومع إحداث النظام الاحتياطي الاتحادي أصبح الإصدار النقدي بيد المصارف الاتحادية Federal Banks وبدءاً من عام 1933م أصبحت الأوراق النقدية الصادرة عن المصارف الاتحادية مع القطع النقدية المعدنية المسكوكة من قبلها النقد القانوني الوحيد في التداول. وبالطبع كانت كل النقود الورقية الصادرة عن المصارف مجرد نقود تمثيلية تعادل ذهباً أو فضة حتى لو لم تكن قابلة للتحويل على المستوى الوطني.
وهناك اليوم ست مؤسسات توفر ضبط نظام الإصدار: وأهم هذه المؤسسات النظام الاحتياطي الاتحادي الذي أوجد حلاً وسطاً بين الاتجاه إلى اللامركزية في تنظيم الإصدار النقدي من قبل المصارف الاتحادية (عددها اثنا عشر مصرفاً) وبين الاتجاه نحو المركزية بتشكيل مجلس الحكام Board of Governers الذي يمثل مركز النظام الاحتياطي الاتحادي. ويتمتع مجلس الحكام باستقلال تام عن السلطة السياسية إذ يعين أعضاؤه مدة أربعة عشر عاماً بقرار من رئيس الولايات المتحدة بعد موافقة الكونغرس على تسميتهم. ويتولى أعضاء مجلس الحكام تنظيم السياسة النقدية على أسس فنية دون الالتفات إلى رأي السياسيين.
وإلى جانب النظام الاحتياطي الاتحادي Le systeme federal de reserves ومجلس الحكام توجد لجنة السوق المفتوحة federal committee of open market ومهمتها التدخل فيالسوق النقدية من أجل ضبط مستوى السيولة في الاقتصاد الأمريكي وكذلك التدخل في سوق القطع الأجنبي لضبط أسعار صرف الدولار بالعملات الأجنبية. إضافة إلى مراقب النقد comptroller of currency والمخول بالموافقة على انضمام المصارف إلى النظام الاحتياطي الاتحادي أو رفض قبولها، وكذلك مراقبة المصارف الوطنية وضبط أنشطتها وأخيراً النظام الاتحادي لمصارف الإقراض المحلي federal home loan bank system وجمعية اتحاد القرض الوطني National Credit Union Association اللذان يوفران السيولة لمؤسسات الادخار ويتوليان تنظيم أنشطتها على مستوى الولايات والمستوى الوطني.
أما مؤسسات الوساطة المالية المصرفية وغير المصرفية فهي متعددة وتشمل مصارف الاستثمار، المصارف التجارية إضافة إلى مجموعة الوسطاء الماليين من غير المصارف. ولهذه المؤسسات دورها في تنظيم كمية النقود في التداول في السوق الأمريكية وفي الخارج.
الدولار واتفاقيات بريتون وودز
خرجت الدول الصناعية من الحرب العالمية الثانية في وضعين متباينين: فمن ناحية خرجت الدول الأوربية والآسيوية المشاركة في الحرب باقتصاد مهدم مدين يحتاج إلى المساعدة للوقوف على قدميه، بينما خرجت الولايات المتحدة الأمريكية باقتصاد مزدهر حقق تراكماً واسعاً في الأموال (نحو ثلاثة أرباع ذهب العالم تجمعت في الخزانة الأمريكية) وفي الطاقات الإنتاجية التي كان عليها تموين دول الحلفاء المتحاربة بالأسلحة والذخيرة والمؤن. ورغبةً من الدول المنتصرة بالحرب بتلافي وقوع كارثة بشرية جديدة مثل الحربين العالميتين الأولى والثانية، ومن أجل ترتيب اقتسام عوائد الاقتصاد العالمي بما يعطي للمنتصرين مكافأة الانتصار ويقطع الطريق على الدول المهزومة (دول المحور) في إعادة بناء ترساناتها العسكرية طلباً للانتقام عقد بدعوة من الولايات المتحدة الأمريكية وبزعامتها مؤتمر بريتون وودز لتنظيم اقتصاد ما بعد الحرب.
إن تجمع معظم كتلة الذهب في الخزانة الأمريكية وارتفاع مديونية الدول المتحاربة المنتصر منها والمهزوم جعل الولايات المتحدة الأمريكية الدولة الوحيدة القادرة على تطبيق نظام المعدن الذهبي(تغطية الدولارات النقدية بالذهب واستبدال الدولار بالذهب لمن يرغب بذلك). فجاءت اتفاقية بريتون وودز حول نظام نقدي دولي على قاعدة الذهب معبرة تعبيراً صحيحاً عن واقع ما بعد الحرب. فقد تمخض عن اتفاقيات بريتون وودز إحداث صندوق النقد الدولي لرعاية قيام نظام نقدي دولي على قاعدة تثبت أسعار تكافؤ العملات الوطنية فيما بينها وربط أسعار هذه العملات بالذهب وبالدولار الأمريكي الذي يعادل بدوره وزناً محدداً من الذهب.
الدولار نقد دولي
ازداد الطلب بصورة كبيرة على الدولار بسبب تجمع الذهب في نهاية الحرب العالمية الثانية في الخزانة الأمريكية وتطبيق استبدال الذهب بالدولار فعلاً وفقاً لقاعدة المعيار الذهبي وخروج الاقتصاد الأمريكي على نحو منفرد قوياً بنتيجة الحرب وقادراً على التصدير وتحقيق فائض تجاري كبير في علاقاته مع العالم الخارجي. وإلى هذا جاء نظام صندوق النقد الدولي الذي أوجب على الدول الأعضاء أن تسدد 80% من حصتها في رأسمال الصندوق ذهباً أو بالعملة الأمريكية. كل هذا جعل من الدولار الأمريكي نقداً دولياً يقوم بوظائف النقد على الصعيد الدولي: وسيلة تبادل بين الدول، مقياس للقيم وأداة ادخار أيضاً. فقد حرصت المصارف المركزية على الاحتفاظ بالدولارات الأمريكية احتياطياً في تغطية إصدار عملاتها الوطنية كالذهب مادام استبدال الدولار بالذهب ممكناً في أي لحظة.
الدولار وأزمة النظام الرأسمالي الدولي
كان الهدف الرئيس من اتفاقية بريتون وودز التأسيس لنظام اقتصادي دولي يضمن انتصار النظام الرأسمالي بمواجهة المعسكر الاشتراكي من جهة ويخلق توازناً في مصالح الدول الصناعية المنتصرة في الحرب من جهة أخرى. في ضوء هذه الأهداف قدمت الولايات المتحدة الأمريكية معونات سخية من أجل إعادة إعمار أوربة (برنامج مارشال) ولدعم الاقتصادات الآسيوية لحمايتها من الخطر الشيوعي. مقابل ذلك وافقت أوربة المنتصرة على السير تحت راية الهيمنة الأمريكية ورضخت لإملاءات واشنطن في مؤتمر بريتون وودز وقبلت بوضع الدولار عملة دولية متميزة. غير أن هذه الشروط تغيرت أصلاً مع إعادة إعمار أوربة وتوقيع معاهدة روما بإنشاء السوق الأوربية المشتركة، ومن ثم انضمام ألمانية الاتحادية إلى عضوية السوق والانفتاح الاقتصادي الذي جرى بين دول الحلفاء ودول المحور من أجل تجاوز خطر العودة إلى الحروب. فبدءاً من الستينات من القرن العشرين بدأت ندرة الدولار في السوق الدولية(بسبب زيادة الطلب على الدولار لتمويل نمو التجارة الدولية المتزايد، زيادة الاختلال في العلاقات التجارية الدولية لصالح الولايات المتحدة الأمريكية)، تتحول إلى وفرة تزيد على الحاجة (بسبب العجوز المستمرة في ميزان المدفوعاتالأمريكي) وتزايد كتلة الدولارات العائمة flottants مما ألقى بالشك حول قدرة الولايات المتحدة على استردادها ومبادلتها بالذهب، وخاصة تلك الكميات الكبيرة التي كانت بحوزة المصارف المركزية في الدول الصناعية الأوربية واليابان. وهذا ما دق ناقوس الخطر حول ظهور «أزمة الدولار» وبداية الخلل في النظام النقدي الدولي المُؤسس على وحدة نقد وطنية وهي الدولار الأمريكي والتي تقوم بدورها على الصعيد الدولي في مصلحة الدولة المركز غير آبهة للعجز في ميزان مدفوعاتها.
بدأت أزمة النظام النقدي الدولي ومعها أزمة النظام الرأسمالي العالمي مع زيادة طلبات ألمانيا وفرنسا وسويسرا للخزانة الأمريكية تحويل فائض الدولارات لدى مصارفها المركزية إلى ذهب من أجل دعم الاحتياطي الذهبي في تغطية عملاتها الوطنية. ومن ثم اشتدت هذه الأزمة بفقدان الدولار الثقة بقابلية التحويل إلى ذهب وزيادة طلبات التبديل من الدول الصناعية الأخرى ما دفع بالسلطات الأمريكية وقف العمل رسمياً بنظام تحويل الدولار إلى ذهب في 15 آب عام 1971م مع تخفيض قيمته بنسبة 7.89% قياساً بقيمته الذهبية في عام 1934م. ثم تم تخفيض المعادل الذهبي الاسمي للدولار في عام 1973م لمواجهة الضغوط على الدولار الأمريكي من قبل العملات الأوربية القوية (الفرنك السويسري، الفرنك الفرنسي، وخاصة المارك الألماني).
لقد انهار نظام النقد الدولي الرأسمالي عام 1971م ودخل العالم الرأسمالي في نظام أسعار الصرف المرنة.
ومع هذا بقي الدولار العملة المسيطرة وبقي محافظاً تقريباً على دوره الدولي. ويعود ذلك لسببين: الأول استمرار المصارف المركزية الأوربية بالتدخل في سوق صرف العملات لحماية الدولار ومعه حماية موجوداتها الاحتياطية والثاني استمرار الحاجة إلى وجود عملة قاطرة في المبادلات التجارية والمالية والمصرفية الدولية. ويضيف آخرون سبباً ثالثاً وهو استمرار الحرب الباردة بين النظام الرأسمالي والمعسكر الاشتراكي، واستمرار خوف الأمم الصناعية المتقدمة من الشيوعية.
أما بعد انهيار جدار برلين وتفكك الاتحاد السوڤييتي السابق وانحلال النظام الاشتراكي عادت التناقضات في النظام الرأسمالي من جديد وتشددت هذه التناقضات مع ولادة العملة الأوربية الجديدة الموحدة (اليورو)[ر]، واشتداد المضاربة والمنافسة بين الدولار واليورو. ومع أن المعركة ما تزال في مصلحة الدولار فإنه من المشكوك فيه أن يستمر الوضع على ما هو عليه. فإذا انتهج المصرف المركزي الأوربي سياسة دعم اليورو وعمدت دول الاتحاد الأوربي إلى «فوترة faturation» مبادلاتها باليورو وضغطت على شركائها التجاريين باعتماد اليورو وحدة لقياس أسعار المبادلات معها أو فيما بينها في إطار اتفاقية لومي أو في إطار الشراكة الأوربية المتوسطية أو حتى إذا لجأت بعض الدول إلى اعتماد اليورو بدلاً من الدولار في مبادلاتها احتجاجاً على السياسة الأمريكية كما فعل العراق مؤخراً باعتماد اليورو بدلاً من الدولار في فوترة نفطه المصدر، فإن ذلك سيعمق أزمة النظام النقدي الرأسمالي الدولي مما سيجعل ضرورياً إعادة النظر في أسس هذا النظام وإيجاد البديل.
منقــول للأمــــــــــــــــــــــــــــانة
أنتظر ردوكـــــــــــــــــــــــــــــــم
ســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلام