مؤسس المدرسة الفيزوقراطية طبيب فرنسي يدعى *فرانسوا كه نه* .
من أهم كتبه "اللوحة الاقتصادية" و "الحقوق الطبيعية" .
وسوف نرى كيف أن فرانسوا كه نه و
أتباعه يشكلون مدرسة فكرية واحدة , و كذلك فإن علينا أن نشير منذ البداية
إلى أننا ندرس الفيزوقراطيين ضمن تاريخ الفكر الاقتصادي لثلاثة أسباب :
1 )) لأنهم بحثوا عن الفعالية
الاقتصادية التي تسبب ثراء الوطن . و عندهم الزراعة ليست أكثر انتاجية فقط
من الصناعة و التجارة , و إنما هي النشاط الاقتصادي الوحيد الذي يشكل
المنتج الصافي .
2 )) أول من تساءل حول التشريعات الاقتصادية التي تخدم الوطن .
3 )) أول من حلل الفعاليات
الاقتصادية كتدفق مستمر للدخول التي تمر من طبقة إلى طبقة اجتماعية إلى
أُخرى و إمكانية تمثيل هذه التدفقات بلوحة اقتصادية .
الفرع الأول :
الأفكار الاقتصادية للفيزوقراطيين
الاقتصادي كه نه يرى أن النقود ليست سوى ثروة عقيمة ولا يمكن أن تخلق دخلاً إلا بالبضائع التي تنتجها .
و يرى أن هناك قطاعاً اقتصادياً واحداً قادر على خلق الثروة بشكل لا محدود و هذا القطاع هو الزراعة
. بينما القطاعات الأُخرى فهي غير قادرة على إعطاء أي قيمة سوى العمل
المبذول فيها . بينما الزراعة قادرة على إعطاء الإنسان كميات من الثروة
تفوق ما يبذله فيها من بذار و عمل .
أي إن الزراعة تعطي منتجاً صافياً إي منتجات أكثر مما يجب لإعادة الإنتاج .
إن نظرية الفيزوقراطيين في
النتج الصافي بالزراعة غير مقبولة نهائياً في عصرنا الحاضر , لأن المنتجات
الزراعية ليست وحدها التي يمكن أن تشبع حاجة إنسانية .
وليس صحيحاً أن هناك تكاثر في الثروة ناتج عن الزراعة فقط , ولا يوجد مثل ذلك التكاثر في باقي القطاعات .
كما أن هناك خلق للمنفعة في كافة السلع سواء كانت زراعية أم صناعية .
الخلاصة : نظرية الفيزوقراطيين في المنتج الصافي هي الجانب الإقل علمية في فكرهم .
المبحث الثاني :
نظرية دوران الثروةأو (اللوحة الاقتصادية)
من أجل معرفة كيفية توزيع المنتج الصافي يقسم كه نه المجتمع إلى ثلاث طبقات :
أ ) الطبقة المنتجة و تشمل المزارعين .
ب ) طبقة الملاك العقاريين .
ج ) الطبقة العقيمة و تشمل
الأفراد العاملين بأجرو لحسابهم الخاص في القطاعين الصناعي و التجاري .
وهذا التصنيف برأيه حسب الدور الذي تلعبه كل دورة في عملية الإنتاج و ليس
حسب ما يراه لازماً لكل طبقة .
يفترض لشرح لوحته الاقتصادية
وجود قطاع زراعي (هو الوحيد المنتج) يعطي دخلاً مقداره خمس ملايين , يحتفظ
المزارعون بمليونين من أجل تأمين معيشتهم و تأمين إعادة الإنتاج , ويقومون
بإعطاء مليون إلى الطبقة العقيمة مقابل مشترياتهم (ألبسة , سكن , ... إلخ)
ومليونين إلى الملاك العقاريين إجرة الأرض التي يستعملونها .
أصبح لدى طبقة الملاك العقاريين
مليونين تدفع مليون إلى الطبقة المنتجة مقابل المنتجات الزراعية التي
يستهلكونها و المليون الآخر تدفعه إلى الطبقة العقيمة ثمن مشتريات منها .
يصبح لدى الطبقة العقيمة
مليونين واحد من الطبقة المنتجة و الآخر من طبقة الملاك العقاريين , تدفع
مليون إلى الطبقة المنتجة مقابل المنتجات الزراعية التي تستهلكها و تدفع
المليون الآخر ثمن مواد أولية لازمة للصناعة للطبقة المنتجة أيضاً .
و هكذا تعود الملايين الخمسة التي أنتجتها الطبقة المنتجة إلى تلك الطبقة لتتوزع من جديد بنفس الطريقة في السنة القادمة .
أي أن اللوحة الاقتصادية تبين تدفق الدخول داخل "الجسم الإجتماعي" مثل دوران الدم في جسم الانسان .
مزايا و إيجابيات اللوحة الاقتصادية هي :
1 )) أدركت مفهوم رأس المال و
انطلقت منه من أجل إعادة الإنتاج , حيث أبقت جزءاً منه عند الطبقة المنتجة
لإعادة الإنتاج و أدركت أهمية رأس المال للعام القادم .
2 )) أدركت مفهوم الزمن في الإقتصاد , حيث تبين أن العملية الانتاجية تستغرق عاماً كاملاً .
3 )) أنها واقعية , فقد فرقت بين زمن ولادة الأرباح و زمن إعادة استعمال تلك الأرباح .
نواقض أو سلبيات اللوحة الاقتصادية هي :
1 )) الخطأ الذي ارتكبه كه نه
هو تخيله أن مشتريات المزارعين من الطبقة العقيمة يمكن أن تتم برغم أن
الطبقة المنتجة لا تملك بعد السيولة النقدية , لذا فإن مصروفاتها لا يمكن
أن تتم إلا على شكل عيني و في الحقيقة إن تلك المشتريات دفعة من الأموال
التي حصلت عليها الطبقة المنتجة في العام السابق .
2 )) الخطأ الآخر هو أن اللوحة الاقتصادية اعتبرت أن الصناعة عقيمة .
3 )) أما آخر خطأ هو أن اللوحة
الاقتصادية لم تظهر مفهوم ربح رأس المال , و كيف لا يشغل فيها الملاك
العقاريون أموالهم , و كذلك لا يظهر مقدار ربح الطبقة المنتجة ولا ربح
الطبقة العقيمة.
قدَّم كه نه في كتبه
"المزارعون" و "الحبوب" مساهمات كبيرة للمدرسة الكلاسيكية فهو يُعتبر أول
من عَرِف أن الأجر يجب أن يعادل ما يحتاجه العامل من أجل بقاءه .
المبحث الثالث :
يقصد الفيزوقراطيون بالنظام الطبيعي النظام المناقض للنظام الاجتماعي الإداري و يصفه لوميرسيه دولا بأنه :
" النظام الذي لا تستطيع المجتمعات الانسانية إلا الأخذ به وهي تسعى لتحقيق مصالحها الحقيقية ".
و يعتقد الفيزوقراطيون أن تحقيقه يفترض وجود الملكية بأشكالها الثلاثة :
1 )) الملكية الشخصية : أي حقوق الانسان في أن يمتلك بإرادته الشخصية جميع إمكانياته الفيزيائية و الذهنية أي حقه في الحرية .
2 )) ملكية الأموال المنقولة : أي حق الانسان بامتلاك ثمار عمله .
3 )) الملكية العقارية : و يقصد بها بشكل أساسي ملكية الأرض رغم أنها لم تخلق بواسطة الانسان.
هذه الحقوق تبين أن النظام
الطبيعي هو كل نظام يشجع الزراعة و يؤمن الأجر الكافي أو السعر الجيد (أي
السعر المرتفع قدر الإمكان) للمنتجات الزراعية .
و للوصول إلى ذلك فإن الفيزوقراطيون يدعون إلى :
أ \ حرية التجارة الخارجية (حرية تصدير الحبوب).
بـ\ حرية التجارة الداخلية .
جـ\ أسعار مرتفعة قدر الإمكان شريطة أن يستطيع الأفراد شراء أكثر ما يمكن من الحبوب .
د\ تخفيض سعر الفائدة بحيث يكون دخل النقود أقل من الدخل الذي يمكن الحصول عليه من الأرض .
كما يقف الفيزوقراطيون موقفاً معادياً من زيادة الإدخار لاعتقادهم بأن ذلك يمكن أن يقلل من تصريف المنتجات الزراعية .
المزارعون هم وحدهم القادرون
على إعطاء المنتج الصافي , لذلك فالضرائب ستدفع في كل الأحوال منهم سواء
أكان ذلك بصورة مباشرة أي بضريبة مباشرة على الأرض أم بصورة غير مباشرة عن
طريق الطبقتين الأخريين .
يمكننا ايجاز النظام الطبيعي بأنه :
# نظام أساسي : تخضع له جميع المجتمعات التي تريد تحقيق مصالحها .
# نطام أجدته العناية الإلهية
لسعادة البشر , و يعتبر هذا الطرح محاولة من قبل الفيزوقراطيين للملائمة
بين النزعة الميتافيزيقية و النزعة العلمية .
# نظام لا يطبق استناداً إلى النصوص الإلهية .
# نظام يتطلب سيادة متمثلة بالملك من أجل تطبيقه و إزاله العقبات التي تعترض سبيله التطبيق العملي للفكر الفيزوقراطي
أولاً : دور الدولة :
دعا الفيزوقراطيون لإزالة كل
التشريعات و القوانين الأُخرى المعرقلة لسيادة القانون الطبيعي , بما في
ذلك دعوتهم إلى تقليص سلطة الدولة و إزالتها في النهاية .
و لكنهم رأوا أن تطبيق القانون
الطبيعي يستوجب تدخل الدولة , شريطة أن يكون هذا التدخل في أضيق الحدود ,
أي أن تقوم بالمهام التالية :
نشر التعليم الذي يساعد الأفراد على فهم مضمون القانون الطبيعي و الالتزام به .þ
إقامة الطرق و القنوات و السدود و الجسور ... إلخ و كذلك القيام بالأشغال العامة التي تساعد þ
على زيادة إنتاجية القطاع الزراعي .
تسهيل تصدير المنتجات الزراعية و تسهيل تبادلها داخلياً و خارجياً .þ
تأمين الأمن و الطمأنينة لأصحاب الملكية و منع أي اعتداء يصيب الملكية أو يؤثر على þ
استغلالها .
ثانياً :سياسة المبادلات الداخلية و الخارجية :
لا يؤمن الفيزوقراطيون بحدود
المبادلة لا على صعيد الداخل و لا على صعيد الخارج , فالتجارة الداخلية
برأيهم أو المبادلة بين الأفراد , هي عملية غير منتجة و ذلك لأنها لا تؤدي
إلى زيادة الثروة . هذا الموقف نتيجة عدم فهمهم للأشكال الأُخرى للثروة و
حصر الثروة عندهم بشكلها المادي أي بزيادة الإنتاج .
أما فيما يتعلق بالمبادلة
الخارجية فإن موقف الفيزوقراطيين المعادي لها هو في الحقيقة رد فعل لأفكار
المركانتيليين الذين اعتقدوا بفوائد التجارة الخارجية .
أي أن التجارة الخارجية في نظرهم ليست مفيدة مثلها مثل الداخلية .
لكن ذلك لم يمنع الفيزوقراطيين
من الإعتقاد بأن هناك تجارة واحدة فقط مفيدة داخل الوطن متمثلة في نقل
المنتجات الزراعية من أيدي المزارعين إلى أيدي المستهلكين و هذا منسجم مع
أفكارهم في اعتبار الزراعة المنتج الصافي الوحيد .
و نفس الشيء بالنسبة إلى
المبادلات الخارجية فقد كانوا مع تجارة السلع الزراعية حصراً , أي مع تصدير
المنتجات الزراعية المنتجة محلياً و على وجه الخصوص مع تجارة الحبوب من
أجل تصريف الإنتاج و الحصول على السعر الجيد , و السعر الجيد عندهم هو
السعر المرتفع أقصى ما يمكن .
و قد كان الفيزوقراطيون ضد
تجارة النقد لأنهم وقفوا موقفاً معادياً للفائدة و بالتالي للإقراض بفائدة
باستثناء الإقراض من أجل الإنتاج الزراعي .
ثالثاً : السياسات الضريبية :
الضرائب برأيهم يجب أن تؤخذ من
الطبقة التي يعود إليها المنتج الصافي , وهي طبقة الملاك العقاريين , لأن
الدخل الذي تأخذه الطبقتان الأُخريان المنتجة و العقيمة يذهب للاستهلاك و
لتجديد الإنتاج , كما أن طبقة الملاك العقاريين تحصل على دخل دون أن تقدم
عملاً بالمقابل . إضافة إلى أن الضريبة التي تدفعها هذه الطبقة لن تشعر بها
لأنها سوف تؤخذ من قيمة الأرض و ليس من الربح الذي حصلت عليه هذه الأرض , و
تلك الضريبة لن تؤثر في رأي الفيزوقراطيين على الإنتاج الزراعي لأنها لا
تؤخذ من المزارعين .
و يعتبر الفيزوقراطيون أول من
لاحظ عدم عدالة الضرائب غير المباشرة لأنها تؤخذ من كافة الطبقات دون الأخذ
بعين الاعتبار للدخول التي تحصل عليها كل طبقة و لطبيعة هذه الدخول .
و هكذا فقد كانت الضريبة التي
فرضوها ضريبة وحيدة مباشرة , إضافة إلى أنها فُرضت على الدخول الناتجة دون
عمل ولم تُفرض على الطبقة المنتجة أو العقيمة .
تجدر الإشارة إلى أن السياسة الضريبية هي الوحيدة التي طبقت بين كافة السياسات التي نادى بها الفيزوقراطيون .