[right]المبحث الأول: ماهية التكامل الاقتصادي:
إن كلمة التكامل الاقتصادي في المعنى الدارج ذات دلالة واضحة على ربط
أجزاء بعضها إلى بعض ليتكون منها كل واحد. أما في الأدبيات الاقتصادية فإن
إصلاح التكامل الاقتصادي لا يحمل هذا المعنى, إذ نجد أن بعض علماء الاقتصاد
يدرجون تحت هذا العنوان صورا مختلفة من التعاون الدولي, كما قدم آخرون بعض
الأدلة على أن مجرد قيام علاقات تجارية بين اقتصاديات قومية مختلفة ينطوي,
في واقع الأمر على تكامل اقتصادي يربط هذه الاقتصاديات القومية.
المطلب الأول: مفهوم التكامل الاقتصادي:
يمكن تعريف التكامل بأنه عملية وحالة إذ أن:
بوصفه عملية فإنه يتضمن التدابير التي يراد منه إلغاء التمييز بين الوحدات الاقتصادية المنتمية إلى دول مختلفة.
و بوصفه حالة فإنه يتمثل في انتقاء مختلف صور التفرقة بين الاقتصاديات القومية.
وفي
تفسير التعريف الذي أوردناه آنفا يجدر أن نفرق بين التكامل و التعاون إذ
أنه بالنسبة للتعاون الاقتصادي فإنه يتضمن الأفعال الهادفة إلى التقليل من
التمييز, مثال ذلك أن الاتفاقيات الدولية في خصوص السياسات التجارية تدخل
في نقاط التعاون الاقتصادي دوليا. أما بالنسبة للتكامل الاقتصادي فإنه
ينطوي على التدابير الفاعلة في القضاء على قدر من التمييز مثال ذلك أن
إزالة الحواجز القائمة في وجه التجارة على المستوى الدولي هي تعبير عن عمل
من أعمال التكامل الاقتصادي.
المطلب الثاني: أشكال و صور التكامل الاقتصادي:
من وجهة نضر التحليل الاقتصادي للعمليات التكاملية يفرق المحلل الاقتصادي
بين خمس صور من التكامل الاقتصادي يمكن التمييز بينها على النحو التالي:
فرع1:
منطقة التجارة الحرة: و يتم الاتفاق في هذه المرحلة على إلغاء مختلف
القيود الجمركية و الادارية على حركة السلع و الخدمات فيها بين الدول
الأعضاء في المنطقة مع احتفاظ كل دولة عضو بتعرفتها الجمركية تجاه بقية دول
العالم.
فرع2:
اتحاد جمركي: و في هذه الصورة من صور التكامل تصبح حركة السلع فيما بين
الدول المتكاملة حرة من أية قيود جمركية أو إدارية, و لكن هذه الدول تطبق
تعريفة جمركية موحدة تجاه العالم الخارجي أو ما يسمى الجدار الجمركي.
فرع3:
سوق مشتركة: و بالإضافة إلى حرية السلع فيما بين الدول الأعضاء ة تطبيق
تعريفة جمركية موحدة تجاه العالم الخارجي فإنه يتم إلغاء القيود على حرطة
عناصر الانتاج{ العمل و رأس المال} فيما بين دول السوق. و على ذلك تشكل
الدول الأعضاء سوقا موحدة يتم في إطارها انتقال السلع و الأشخاص و كذا
رؤِوس الأموال في حرية تامة. ومن أمثلة ذلك السوق الأوروبية المشتركة.
فرع4:
اتحاد اقتصادي: إن هذه المرحلة تعلوا مرحلة السوق المشتركة, حيث أنه
بالاصافة إلى حرية حركة السلع و الخدمات, و حرية انتقال عناصر
الانتاج{العمل و رأس المال} في ما بين الدول الأعضاء و التعريف الجمركية
الموحدة للدول الاعضاء تجاه العالم الخارجي, فإن هذه المرحلة تشمل أيضا
الاجراءات التعلقة بتنسيق السياسات الاقتصادية المالية و النقدية, هذا لإلى
جانب السياسات الاجتماعية و الضريبية الأخرى التي تتجسد في تشريعات العمل و
الضرائب و غيرها,
فرع5:
اندماج اقتصادي: وهذه هي المرحلة الأخيرة التي يمكن أن يصل إليها أي مشروع
للتكامل الاقتصادي,إذ تتضمن{ بالاضافة إلى ما قدمناه في المراحل الأربعة
السابقة} توحيد السياسات الاقتصادية كافة, و إيجاد سلطة إقليمية عليا,
وعملة موحدة تجرى في التداول عبر بلدان المنطقة المتكاملة, و جهاز إداري
موحد لتنفيذ هذه السياسات و في هذه المرحلة تتفق كل دولة عضو على تقليص
سلطاتها التنفيذية الذاتية و خضوعها في كثير من المجالات, للسلطة الاقليمية
العليا و هذا يعني أن التكامل الاقتصادي التام {أو الاندماج الاقتصادي} لا
يحتاج إلا إلى خطوات محدودة للوصول إلى وحدة سياسية فعلية.
وفي هذا الضوء يمكن القول بأن نظرية التكامل الاقتصادي تعنى بالنتائج
الاقتصادية التي تترتب على التكامل في صوره الخمس المتتابعة و بالمشكلات
التي تنشأ بسبب تباين السياسات القومية. حقيقة يمكن اعتبار نظرية التكامل
الاقتصادي جزءا من الاقتصاد الدولي كفرع من فروع علم الاقتصاد, إلا أن هذه
النظرية أوسع مجالا من نظرية التجارة الدولية, تأسيسا على أن نظرية
التكامل هذه تتقصى عن ادماج أسواق قومية من أثر ملموس على النمو الاقتصادي
فضلا عن بحث الحاجة إلى التنسيق الاقتصادي الذي يستوجبه قيام أي اتحاد
اقتصادي كسورة قبل النهاية للتكامل حسب ما تقدم.
المطلب الثالث: النشأة الحديثة للتكامل الاقتصادي:
لم
يشهد القرن العشرون قيام اتحادات جمركية إلا بعد انتهاء الحرب العالمية
الثانية{1939-1945} إذ شهدت الفترة التالية لانتهاء هذه الحرب اهتماما
بالغا بالتكامل الاقتصادي, سواء في اوروبا أم في أمريكا اللاتينية أم في
إفريقيا. و نعطي مثالا على ذلك أوروبا.
قيام
الاتحاد الجمركي, و من بعده السوق المشتركة, و من أمثلة ذلك جماعة الفحم و
الصلب الأوروبية و اتحاد دول البنلوكس{اتحاد جمركي}, و الجماعة الاقتصادية
الأوروبية{سوق مشتركة} أما الاتحاد الاوروبي للتجارة الحرة فقد انفرد بوضع
خاص, إذ ظل قيامه مقصورا على قيام تعاون اقتصادي بين الدول السبع في اطار
منطقة تجارة حرة.
المطلب الرابع: وسائل تحقيق التكامل الاقتصادي.
لقد
أدى الاهتمام الحديث بالتكامل الاقتصادي إلى مقترحات في شأن ماهية وسائل
تحقيق هذا التكامل. و هنا تصير الموازنة بين رأيين متطرفين:
فرع1:الرأي
المتطرف القائم على فكرة الحرية الكاملة: إن دعاة الحرية الكاملة البعيدة
عن تدخل الدولة في الشؤون الاقتصادية إنما ينظرون إلى التكامل الاقليمي على
أنه عودة إلى الأوضاع التي اتسمت بها التجارة الحرة خلال الفترة السابقة
على نشوب الحرب العالمية الأولى, و بالتالي فإن الأخذ بهذا الأسلوب في
التفكير يعني أن التكامل ببساطة هو إلغاء كافة العوائق التي تحول دون
انسياب السلع فيما بين دول المنطقة.
فرع2:
الرأي المتطرف القائم على فكرة التوجيه الكامل: إن دعاة التوجيه الكامل
يرون أن تحقيق التكامل ينبغي أن يكون عن طريق قيام الدولة للمتاجرة و تنسيق
الخطط الاقتصادية القومية دون رفع الحواجز التجارية. و من الواضح أن هذا
الحل البديل يستبعد أساليب السوق, و لا يعتمد إلا على الوسائل الادارية.
المبحث الثاني: التكامل الاقتصادي العربي.
المطلب الأول: مقومات التكامل الاقتصادي:
تتوافر في الوطن العربي العديد من المقومات الاساسية لقيام التكامل
الاقتصادي وايجاد بنية ملائمة لعملية التنمية الشاملة . وفي الظروف الراهنة
فان الانطلاق من اعتبار الوطن العربي ككل اطارا عاما لتحرك المقومات
وفعلها هو ضروري عند التركيز على قضية التكامل ,وذلك لأنه يسمح بتكامل
موارد ومعطيات الاقطار منفردة او في مجموعات اقليمية ,وعملية التكامل تسهم
في ترميم الخلل القائم في هيكلية الاقتصاد العربي وذلك اذا تكيف الاطار
السياسي والاداري بالشكل الملائم ليفعّل حركة النتاج بين الدول العربية .
أي داخل الوطن العربي كوحدة اقتصادية . وان التعامل مع الوطن العربي كوحدة
سياسية ترتكز على وحدة اللغة والتاريخ والعطاء الحضاري والآمال والمصالح
المشتركة ووحدة الجغرافية .وهذه الخصائص والميزات تشكل مرتكزا لعملية
التكامل في ابعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية ,وفي هذا المجال يمكن
تحديد المقومات التالية :
تعدد وتنوع الموارد الطبيعية : حيث يملك الوطن العربي موارد اقتصادية كبيرة
ومتنوعة سواء كان ذلك على الصعيد الزراعي ام الصناعي . فالوطن العربي يمتد
على مساحة كبير جدا تبلغ حوالي /14مليون كم2/ وفي إطار هذه المساحة
الكبيرة تتنوع المناخات والتضاريس وأنوع التربة وتعدد مصادر المياه التي
تبلغ حوالي /370 مليارم3/ يستغل منها حاليا /175م.م3/ فقط .ونتيجة ذلك
تتعدد وتتنوع المحاصيل الزراعية والثروات المعدنية ومصادر الطاقة من النفط
إلى الغاز ومصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والحرارة . والوطن العربي من
حيث وفرة هذه الموارد وتنوعها يمكن إن يحقق تكاملا اقتصاديا يشكل عاملا
مساعدا لتوفير الأموال اللازمة لاكتشاف واستثمار الموارد المتاحة وغير
المستثمرة ,أو تحقيق استثمار نوعي وكمي مناسب للموارد المستثمرة .
حجم السوق العربية : تتوافر في الوطن العربي سوق مناسبة ومساعدة لعملية
التكامل ترتكز على الامتداد الجغرافي الكبير للوطن العربي وأهمية موقعه
الجيواستراتيجي والجيوسياسي والتعداد الكبير للسكان الذي وصل الى حوالي/300
مليون نسمة /.وان السوق العربية توفر عاملا مساعدا لتصريف المنتجات
المتوفرة في كل دولة على قاعدة تعدد الموارد المتاحة , ومن خلال عملية
التبادل الداخلي والخارجي سواء بين الأقطار العربية أو المبادلات مع مناطق
ودول أخرى على الصعيدين الإقليمي
والعالمي
وقد شهدت الصادرات والواردات البينية بين الدول العربية وبين الدول
العربية ودول العالم ارتفاعا كبيرا خلال العقد النفطي أي بين
عامي/1973-1982/ وبلغ ذروته عام /1981/ بحوالي/379,7 مليار دولار /.ويعكس
حجم التجارة الخارجية إلى بعيد حركة الصادرات النفطية وما يؤدي إليه
بالنسبة لحركة الواردات ,وفي عام /1980/ بلغت الصادرات النفطية ذروتها
بحوالي/ 217,6 مليار دولار/ ونسبة الصادرات إلى اليابان وأوربا بلغت /63%/
عام/1985/ و66% عام/1985/للواردات بين الدول نفسها . وجدير بالذكر ان نصيب
التجارة البينية العربية متواضع جدا بالمقارنة مع التجارة العربية مع
الخارج حيث تبلغ /9,6%/ من جملة الصادرات و/7,8%/ من جملة الواردات لعام
/1985/ .
إن سعة السوق العربية تشكل مجالا رحبا للتكامل العربي الذي يمكن إن يقوم
على أرضية التعاون بهدف تلبية حاجات السوق العربية ويؤكد هذه الحقيقة توافر
عدد كبير من الموارد والإمكانات الضرورية لتوسيع الطاقة الإنتاجية
وتحسينها الى مدى بعيد ثم إنماء استراتيجية ترتكز على التعاون والتكامل .
ولا بد من الإشارة إلى إن درجة اندماج الاقتصاد العربي في اقتصاد الدول
المتقدمة لا تقاس فقط بمقياس كثافة التبادل التجاري معه , وإنما كذلك
بمعيار كثافة الاعتماد التفاني عليه والتعامل الواسع مع مؤسساته المالية
والاعتماد المفرط عليها بالرغم من الوفرة النسبية في الموارد المالية
العربية , والاستخدام الكثيف لتسهيلات الاقتصاد الغربي في مجالات الاتصال
والإعلام , ويلاحظ إن قدراً كبيراً من الواردات هي من النوع الاستهلاكي
التي يمكن الاستغناء عنها في سبيل توفير المزيد من الموارد المدخرة
للاستثمار المنتج .وكذلك ان قدرا كبيرا من الواردات الاستهلاكية الضرورية
يمكن إنتاجه في المنطقة لو تم تبني سياسة التعاون والتكامل أما واردات
الأسلحة والنظم الدفاعية فتشكل قضية تستحق الوقوف عندها وذلك للأسباب
التالية :
· انتهاج سياسة مشتركة لضمان الأمن القومي مما يسهم في خفض الحاجة إلى هذه الواردات.
· إن سياسة إنتاجية مشتركة تسهم في تحقيق قدر ملموس من توسيع دائرة الإنتاج المحلي.
· إن إعادة النظر في تقييم الحاجة الدفاعية ستؤدي إلى خفض الموازنات
الدفاعية , خاصة وان قسما كبيرا من ترسانات الأسلحة الضخمة المتوافرة حاليا
غير موجهة لمعارك تحرير الأرض العربية وحماية أمنها القومي من التهديد
الخارجي, كما أثبتت التجارب الكثيرة خلال السنوات الماضية .
توافر الكوادر : يمتلك الوطن العربي كوادر مختلفة ومتنوعة سواء كان ذلك على
الصعيد التكنولوجي أم الإداري . ومن العوامل التي أسهمت في تحقيق ذلك
اتساع التعليم الأكاديمي وتعدد مراكز البحث العلمية . ففي الوطن العربي
الآن مئات من الجامعات وحوالي /337/ مركز بحث علمي وتتنوع الآن حقول
الاختصاصات في المراحل التعليمية المختلفة , الإعدادية والثانوية والجامعية
.وفي العديد من
الدول
العربية كوادر اقتصادية مدربة بالإضافة إلى توافر البنى والوسائل المساعدة
لعملية التكامل تنظم الاتصالات المختلفة من شبكات الهاتف ووسائل الاتصال
المتطورة ووسائط النقل المختلفة , البرية والبحرية والجوية .وفي الوطن
العربي مؤسسات بحثية متعددة مهتمة بالتكامل على الصعيدين الرسمي وغير
الرسمي.
المطلب الثاني: الجهود المبذولة لتحقيق التكامل الاقتصادي العربي.
لقد
مر التكامل الاقتصادي العربي بالعديد من التجارب التي حاولت تحقيق بدءا من
التجارب على المستوى الثنائي القطري وانتهاء بالتجارب على المستوى القومي .
وقد لوحظ بأن جميع المحاولات على المستوى الثنائي القطري قد باءت بالفشل ،
بدأ من الاتحاد الجمركي بين سورية ولبنان (1943-1950) ومرورا بالوحدة
الاقتصادية في ظل الجمهورية العربية المتحدة (1958-1961) وتجربة التكامل
المصري – السوداني والتعاون الاقتصادي في المغرب العربي . والسبب الرئيسي
في فشل هذه المحاولات هو الأحداث والإدارات السياسية التي تعارضت مع
المصالح الاقتصادية مما أدى إلى انهيارها . وبما أن التجارب على المستوى
الثنائي قد فشلت لذلك سنكتفي في هذا البحث باستعراض المحاولات على المستوى
القومي .
أولاـ مجلس الوحدة الاقتصادية العربية:
وهو الهيئة التي عهدت إليها اتفاقية الوحدة الاقتصادية مهمة تنفيذ أهدافها ،
إذ يتمتع في هذا المجال بأعلى سلطة ، ولكل دولة فيه صوت واحد مهما تعدد
ممثلوها ، ويعاونه في أداء مهمته ثلاث لجان دائمة هي :
· اللجنة الجمركية .
· اللجنة النقدية والمالية
· اللجنة الاقتصادية
الى جانب هذه اللجان توجد لجنتان أخريان هما :
· لجنة نواب الممثلين الدائمين .
· لجنة المتابعة .
وللمجلس أمانة عامة هو جهازه الفني والتنفيذي الرئيسي .
ثانياـ اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية :
وتهدف هذه الاتفاقية إلى قيام وحدة اقتصادية كاملة بين الأقطار العربية ،
وفي سبيل تحقيق هذا الهدف حددت الاتفاقية المهام التي يتعين على المجلس
القيام بها من الناحيتين التنظيمية والتشريعية وهي :
1. وضع التعريفات والتشريعات الهادفة لقيام منطقة عربية جمركية موحدة.
2. تنسيق سياسات التجارة الخارجية مما يكفل تنسيق اقتصاد المنطقة حيال الاقتصاد العالمي وبما يحقق أهداف الوحدة .
3. تنسيق الإنماء الاقتصادي ، ووضع برامج لتحقيق مشاريع الإنماء العربية المشتركة .
4. تنسيق السياسات المتعلقة بالزراعة والصناعة والتجارة الداخلية .
5. تنسيق السياسات المالية والنقدية تنسيقا يهدف للوحدة النقدية .
6. تنسيق أنظمة النقل الموحدة في البلدان المتعاقدة ووضع أنظمة الترانزيت وسياساتها.
7. وضع تشريعات العمل والضمان الاجتماعي الموحدة ة تعديلاتها .
8. تنسيق التشريعات الضريبية والرسوم، وفي سبيل ذلك تضمنت الاتفاقية وصفا
لما يجب على الدول الأعضاء اتباعه ، فنصت على ضرورة تحقيق انتقال الأشخاص
ورؤوس الأموال وحرية تبادل البضائع الوطنية والأجنبية وحرية الإقامة والعمل
والاستخدام وممارسة النشاط الاقتصادي وحرية النقل والترانزيت واستعمال
وسائل النقل والموانئ والمطارات المدنية .
ثالثاـ محاولات مجلس الوحدة الاقتصادية لتحقيق الوحدة الاقتصادية العربية :
اتبع مجلس الوحدة الاقتصادية من خلال المنظور الذي اتبعه أربع مداخل في سبيل تحقيق الوحدة الاقتصادية العربية وهي :
ـ المدخل التجاري : وأداته السوق العربية المشتركة التي أحدثت بموجب قرار
مجلس الوحدة الاقتصادية رقم (17) لعام /1964/ في دورته الثانية، وكان ذلك
نتيجة دراسة واسعة شاملة كلفت بها عناصر لجنة خاصة لوضع أهداف اتفاقية
الوحدة العربية الاقتصادية موضع التنفيذ ، واعتبر إنشاء السوق مرحلة من
المراحل الواجب اتباعها واجتيازها لبلوغ تلك الأهداف ، وقد وقعت على
اتفاقية إنشاء السوق الدول التالية
سورية ، مصر ، العراق ، الأردن ، الكويت) . وقد انضم إليها فيما بعد
السودان واليمن . ونصت الاتفاقية على أن يبدأ العمل بأحكامها اعتباراً من
مطلع عام/1965/. وفيما يلي أهم نصوص الاتفاقية :
1. إطلاق حرية تبادل المنتجات الزراعية والحيوانية والصناعية والثروات الطبيعية .
2. تثبيت القيود المطبقة في كل من الدول الأطراف بحيث لا يجوز منذ تاريخ
عقد الاتفاقية فرض رسم أو ضريبة جديدة أو زيادة رسم أو ضريبة قائمة أو فرض
قيود جديدة بين الدول .
3. تطبق حكومات الأطراف المتعاقدة قيما بينها مبدأ الدولة الأكثر رعاية .
4. لا يجوز فرض رسوم داخلية على المنتجات المتبادلة بين الدول الأعضاء تفوق
الرسوم أو الضرائب المفروضة على المنتجات المحلية المماثلة أو موادها
الأولية .
5. عدم خضوع المنتجات الزراعية أو الحيوانية أو الثروات الطبيعية لأي رسم أو تصدير جمركي .
6. لا يجوز إعادة تصدير المنتجات المتبادلة بين الدول الأعضاء إلى خارج السوق إلا بموافقة الدولة المصدرة .
7. لا يجوز لأي دولة من الدول الأعضاء منح دعم أياً كان نوعه لصادراتها من
المنتجات الوطنية إلى الأطراف الأخرى في حال وجود إنتاج مماثل في البلد
المستورد للسلعة المدعومة .
8. تناولت المادة العاشرة من الاتفاق المنتجات الزراعية والحيوانية
والطبيعية المدرجة في اتفاقية تسهيل التبادل التجاري وتنظيم تجارة
الترانزيت المبرم بين دول الجامعة العربية عام/1953/ ، فقررت تثبيت الإعفاء
الكامل لهذه المنتجات من الرسوم والضرائب الجمركية المختلفة . أما
المنتجات الزراعية الأخرى فقد حددت سريان التحقق عليها تدريجياً بمعدل
(20%) سنوياً كما نصت على أن تعمل الدول الأعضاء على تحرير هذه المنتجات من
القيود على مراحل سنوية تبدأ من أول عام/1965/ بواقع (20%) من هذه
المنتجات .
9. نصت المادة الحادية عشر على تخفيض الرسوم الجمركية والرسوم الأخرى على
المنتجات الصناعية التي يكون منشأها أحد الأطراف بواقع(10%) سنوياً ، بدأً
من كانون الثاني /1965/. كما قرر الاتفاق تخفيض نسبي الصناعات الواردة في
اتفاق تسهيل التبادل التجاري .
10. نصت المادة (14) على أنه يحق لكل دولة من دول الأطراف التقدم بطلب
استثناء بعض المنتجات من إعفائها أو من التخفيض المطبق عليها في الرسوم
والضرائب والتحرر من القيود لأسباب جدية مبررة .
هذه بإيجاز أهم الأحكام التي تضمنها قرار إنشاء السوق العربية المشتركة.
ـ المدخل الإنتاجي : وذلك من خلال المشروعات المشتركة والاتحادات النوعية العربية .
ـ تنسيق خطط التنمية في أقطار الوطن العربي : إن استمرار الخلافات السياسية
بين الأنظمة العربية واستمرار سيطرة النظرة الإقليمية الضيقة على الأجهزة
المختصة ، إلى جانب اختلاف الأهداف وسبل تحقيقـها حال دون تحقيق هذا
المدخـل إلــى الوحدة الاقتصادية العربية .
ـ مدخل تنسيق الموقف العربي تجاه الاقتصاد الدولي : إن وضع هذا النص موضع
التطبيق له معان كبيرة ، وأول هذه المعاني أن يكون للأقطار العربية في
النهاية موقف موحد إزاء القضايا الدولية في المجالات الاقتصادية.
إن مدخل تنسيق الموقف العربي إزاء الاقتصاد العالمي يفترض :
1. وجود النية إلى تنسيق هذه المواقف ، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه إلا عبر
تنسيق السياسات وتوحيد المواقف السياسية تجاه ما يجري في العالم
2. الانطلاق من فكرة الإنعتاق من دائرة العلاقات الاقتصادية الدولية التي
يفرضها السوق الرأسمالي العالمي وإلغاء حالة التبعية التي تمارسها الدول
الصناعية المتقدمة.
رابعاًـ منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى:
وأهم ما جاء في هذه الاتفاقية من أحكام ما يلي :
1. العمل على استكمال إنشاء منطقة التجارة الحرة العربية الكبرى خلال عشر سنوات اعتباراً من 1/1/1998/ .
2. تحرير التبادل التجاري بين الدول الأطراف .
3. عدم خضوع السلع العربية التي يتم تبادلها إلى أية قيود جمركية تحت أي مسمى كان .
4. يشترط لاعتبار السلعة عربية أن تتوفر فيها قواعد المنشأ التي يقرها
المجلس الاقتصادي والاجتماعي ، وبالتالي فإن المنتجات العربية تخضع لقواعد
تصنعها لجنة قواعد التي أنشأها المجلس الاقتصادي الاجتماعي .
5. تبادل المعلومات والبيانات بشفافية والعمل على إخطار المجلس الاقتصادي
والاجتماعي بالمعلومات والإجراءات واللوائح الخاصة بالتبادل التجاري .
6. تشكيل لجنة لتسوية المنازعات في كل القضايا المرتبطة بالاتفاقية .
7. منح معاملة تفصيلية للدول العربية الأقل نمواً .
8. التشاور بين الدول الأطراف حول الخدمات والتعاون التكنولوجي والبحث
العلمي . وتنسيق النظم والتشريعات والسياسات التجارية وحماية حقوق الملكية
الفكرية .
9. وضع آلية المتابعة والتنفيذ وفض المنازعات . ولقد حددت الاتفاقية جهة
الإشراف بالمجلس الاقتصادي والاجتماعي ، ويساعده في أداء مهماته لجان
تنفيذية هي :
· لجنة التنفيذ والمتابعة .
· لجنة المفاوضات التجارية .
· لجنة قواعد المنشأ العربية .
· الأمانة الفنية .
و يتم السير بخطوات جدية نحو تحيق السوق العربية الحرة الكبرى من خلال المناطق والاسواق الحرة
الثنائية والجماعية بين الدول العربية ام من خلال تحرير التجارة بين الاقطار العربية والغاء الرسوم والقيود عبر اتفاقيات ثنائية.
نحو استراتيجية عربية للتكامل الاقتصادي
إن التحديات التي يواجهها الوطن العربي و التي أهمها غرس الكيان الصهيوني
في قلب الوطن العربي هذه التحديات إضافة إلى المهام القومية المشتركة
تستلزم معالجة ثغرات التكامل الاقتصادي وتعميق جذوره خاصة و أ ن العالم يمر
بأزمات هيكلية حادة على صعيد الاقتصاد الرأسمالي وتتفجر فيه أزمة التنمية
في العالم الثالث و تزداد النزعة الحما نية ضد البلدان النامية ويزداد تآمر
القوى الإمبريالية من أجل إحكام طوق التبعية على اقتصاد الدول النامية
ومنها اقتصاد الدول العربية و بالتالي لا بد من تحقيق التكامل الاقتصادي
العربي و توفير الشروط الموضوعية لتحقيق التنمية العربية المطلوبة، وذلك من
خلال ما يلي:
1. فهم و تفهم كامل للطبيعة الخاصة و الميزات والسمات للاقتصاديات العربية
القائمة وتحليل مشكلاتها ومعرفة طبيعة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية
السائدة في الوطن العرب.
2. فهم طبيعة العلاقات الاقتصادية الدولية و النظام العالمي الجديد و معرفة
أهمية الاتجاه نحو التكامل و التكتل الاقتصادي في عالم يسير في سباق مع
الزمن.
3. الإدراك الواعي لأهمية التكامل الاقتصادي العربي على الصعيد ين الاقتصادي و السياسي.
4. الاعتماد الجماعي على النفس.
5. الاستخدام الأمثل لكل الموارد الذاتية.
6. وضع تصور جديد لهيكل الانتاج و بنية السوق الإقليمية بما يساعد على تحقيق التكامل الاقتصادي العربي.
إن السير في طريق التكامل العربي هو بحد ذاته يشكل رفضاً للمشروعات التي
تطرح بين حين و آخر تحت مسميات مثل الشرق أوسطية أو المتوسطية و التي تهدف
إلى إلغاء الوحدة العربية و قبول إسرائيل في نسيج المنطقة العربية. و كما
يقول الدكتور محمد الأطرش(1) "إن وضع الدولة العربية القطرية مع جميع
سلبياته سيبقى أفضل مما سيكون عليه الحال لو تم قبول المشروعين الأوسطي و
المتوسطي و أن البديل العربي الايجابي يتضمن العمل على تحقيق المشروع
القومي العربي الذي يعتبر الاتحاد العربي جزئياً أو كلياً من أهم أهدافه و
إن ضرورة العمل لتحقيق الاتحاد العربي الذي يعتبر التكامل الاقتصادي العربي
أهم ركائزه تستند جزئياً أو كلياً إلى :
1. الانتماء القومي و الهوية العربية 0
2. اعتبارات الأمن القومي العربي وضرورة تحقيق قوة عربية0
3. المصلحة المشتركة".
المطلب الثالث: معوقات التكامل الاقتصادي العربي.
يمر
التكامل الاقتصادي العربي اليوم في مرحلة صعبة وحرجة بالرغم من وضوح
فوائده ومزاياه التي يمكن إن يحققها لجميع الدول العربية . فمن خلال
التعاون والتكامل الاقتصادي يمكن توسيع قاعدتي العرض والطلب وتعميق قاعدة
التعلم والتخصص وتوسيعها والاستفادة القصوى من الإمكانات والقدرات المتاحة
والموجودة وتسهيل عملية اكتشاف القدرات الدفينة واستغلالها ، والإستفادة
القصوى من مزايا الكلفة النسبية ، والإسهام الكبير في ترشيد الموارد وتحسين
الموقع في إطار تقسيم العمل الدولي ، وزيادة قوة الوطن العربي وفاعليته في
إطار التكتلات القائمة .كما وأن قيام التكامل يتيح للوطن العربي إمكانية
القيام بمشروعات كبيرة عالية الكلفة ليس من السهل على أي بلد أن يقوم بها
منفرداً ، ويمكن أن يعيد الهيكلة الإنتاجية والتخصص الأمثل في الوطن العربي
، ويحقق وفراً في الكلفة الإنتاجية وزيادة مهمة في القيمة المضافة ،
والإستفادة من الوفورات الخارجية والمالية ، وتضييق ظاهرة المديونية ،
وتقليص حجم الفوائد المترتبة عليها .ونتيجة ذلك فإنه من الغرابة بمكان في
ضوء المنافع البارزة ألا تتعمق مسيرة التكامل العربي في مرحلة تسودها
التكتلات الاقتصادية الكبيرة وظاهرة تدويل الحياة برمتها وخاصة الحياة
الاقتصادية ، وازدياد التعاون بين المجموعات الاقتصادية الكبرى رغم
خلافاتها الاقتصادية والسياسية .وتوجد في الوطن العربي العديد من العوائق
التي تقف عثرة في وجه التعاون والتكامل الاقتصادي ، وتتراوح الأسباب بين
سياسية خارجية وداخلية ، وأيديولوجية واقتصادية واجتماعية هيكلية وتنظيمية
وإدارية وإعلامية ومؤسسية وحتى نفسية وتجدر الإشارة أيضاً إلى وجود بعض
الطموحات الكبيرة التي تبتعد في بعض مظاهرها عن الواقع ، ولا يمكن هنا أن
نستعرض بشكل تفصيلي لجميع هذه المعوقات ، لذا سنقتصر على بعض العوامل
والأسباب التي تمثل عوائق جوهرية في طريق التكامل :
التناقضات الهيكلية والتنموية : تكمن أزمة التكامل أساساً في البنية
الجوهرية للاقتصاد العربي المتفاوت في توزيع القوى والعناصر الإنتاجية
والتناقضات الهيكلية والتنموية التي ورثها عن عهود الهيمنة الأجنبية ،
متمثلة بالتخلف والتبعية والتجزئة وكان ذلك نتيجة تقسيم عمل دولي غير
متكافئ وعلاقات اقتصادية دولية غير متكافئة فرضت على الوطن العربي في ظل
السيطرة الاستعمارية مع سريان قانون النمو والتطور المتفاوت . وكانت حصيلة
هذه العوامل تفاوتاً كبيراً في تركيب الهياكل الاقتصادية والاجتماعية في
الوطن العربي وفي توزيع الموارد والثروات بين أقطاره ، وتفاوتاً في درجات
نموها ومستواها . وقد أدى هذا التفاوت إلى ارتباط الاقتصاد العربي عفوياً
بالسوق العالمية ، واتخاذ كل قطر عربي مساراً معزولاً في العلاقات القطرية
يكرس التجزئة بدلاً من أن تكون قاعدة
التكامل الاقتصادي على أرضية التخطيط الاقتصادي والسياسي القومي وترسيخ عوامل التنمية المشتركة.
تعدد الأنماط التنموية : مارست معظم الدول العربية منذ مرحلة الاستقلال
السياسي نمطاً تنموياً قطرياً غاب عنه البعد القومي نتيجة الإنشغال
بالقضايا القطرية الداخلية ، مما أسهم في تعميق التبعية واستمرار التجزئة .
ولكن بالرغم من وجود تطلعات للتكامل الاقتصادي والسياسي وإقرارها رسمياً
عبر أطر ومؤسسات رسمية إلا أن صلة التجزئة العربية تبدو أكثر بكثير من
سواها .
إن مظاهر التبعية والتخلف ، واستمرار التجزئة التي تشكل عامل تقييد للقدرات
والإمكانات القائمة تؤكد حقيقة هامة وهي أن القضية الأساسية التي تواجه
الأمة العربية هي قضية التنمية ، وبالتالي فإن الطريق الطبيعي للعلاج هو
اختيار قضية التخطيط الإنمائي والتكامل الإنتاجي ، بما يسهم في تعزيز
القاعدة الإنتاجية وتنويعها وتحقيق التنمية الشاملة والمتوازنة ، إلا أن
ظروف التجزئة القطرية وغياب مظاهر التعاون والتنسيق والتكامل جعل الدول
العربية تخوض تجربة عكسية ، فقد اختارت مدخل الحرية الاقتصادية على الصعيد
القطري لا التخطيط الشامل على المستوى القومي . وبالإضافة إلى ذلك فمن
المعروف أن التجارة الخارجية هي انعكاس للتركيب القطاعي الهيكلي للإنتاج ،
وأنها قد تخلق معوقات التصنيع ، ولكنها لا تحقق بالضرورة التنمية الشاملة
والاستخدام الأمثل للموارد . وكان يجب البدء بتفاعل وتكامل العوامل
الإنتاجية والتبادلية في إطار تخطيط علمي شامل على المستوى القومي بدلاً من
النقل العشوائي لتجارب المجتمعات الصناعية المتقدمة وزرعها في بيئة غريبة
عنها . إن الطموح القطري ليحقق تنمية سريعة في العديد من الدول العربية في
فترة الطفرة النفطية أدى إلى تعميق التبعية في ميادين الاستثمار والتجارة
والصناعة ، كما أدى إلى اتساع دور الشركات المتعددة الجنسيات في تنفيذ
مشروعات التنمية بل وإدارتها وصيانتها .وهذا النمط التصنيعي الجديد أدى إلى
زيادة الارتباط بالدول المتقدمة ، كما أسهم اعتماد هذه الصناعات على السوق
العالمية لاستيعاب فائض منتجاتها إلى توثيق الارتباط بهذه السوق العالمية
عن طريق القنوات التجارية الدولية .وعلى الرغم من تنامي العلاقات
الاقتصادية العربية-العربية في حجمها المطلق إلا أن هذه العلاقات ضئيلة
نسبياً ، فهي ما زالت أفقية وهامشية بتطبيقها من حيث الحجم والمكونات
بالنسبة إلى العلاقات العربية مع العالم الخارجي . فلقد كان نصيب الصادرات
إلى الأقطار العربية (8,5%) من نسبة الصادرات لعام /1978/ من حين لم تتجاوز
نسبة الواردات العربية (8,1%) من مجموع كل استيرادها للعام نفسه . ويزيد
من خطورة هذا الوضع أن السلع العربية المتبادلة قابلة للاستبدال وسهلة
المنافسة كما أنها ليست سلعاً استراتيجية . وفي الوقت الذي تعكس فيه أرقام
التبادل التجاري تزايد الارتباط المحكم بالسوق العالمية ، فإن السوق
العربية نفسها تتعرض لعملية التفكك الداخلي . أما التكامل على مستوى رؤوس
الأموال فينعكس في الظاهرة الاستثنائية التي يشهدها الوطن العربي
والمتمثلة بالنقل المعاكس لرأس المال . وهي سمة ضعف تنفرد بها الاقتصاديات
العربية حالياً ، أفلحت الدول الصناعية الكبيرة في جذب الأموال العربية
المتراكمة ضمن حركة النظام النقدي الدولي ، وعبر شبكة مؤسساتها المالية
والمصرفية ، وشكل ذلك عاملاً داعماً لاقتصادياتها وزيادة قدرتها . ونتج عن
ازدياد حجم التراكم المالي العربي في الخارج مصلحة حقيقة لبعض الدول
العربية في الحفاظ على استقرار تلك الأسواق وعملاتها الرئيسية رغم تعرض
الكثير من مدخراته للتآكل في جسمها في ظل التضخم والفوضى النقدية وتعرضها
للارتهان بحكم القيود المفروضة على حركتها واحتمالات تجميدها .وتبدو
المفارقة الكبيرة بين حجم الديون العربية التي تبلغ (170) مليار دولار وحجم
الأموال العربية في الخارج لتصل إلى حوالي ألف مليار دولار .
غياب الإرادة السياسية : إن لغياب الوعي والإرادة السياسية المتينة
والداعمة لعملية التكامل دوراً بارزاً في تعميق أزمته . وكان الحرج السياسي
لا الإقناع الموضوعي وراء تبني العديد من الاتفاقات والمشروعات العربية .
وكثيراً ما كان التأخر في التطبيق الجدي لبعض الاتفاقات والمشاريع مدعاة
لحصول متغيرات جديدة أو تقل معها صلاحية هذه المشاريع والاتفاقيات، ثم تبدأ
جولة جديدة لمدخل جديد دون انتظار نضوج التجربة الأولى ، ولا تلبث التجربة
الثانية أن تعاني الإهمال نفسه الذي لاقته التجربة الأسبق. إن عدم الجدية
في التطبيق والمتابعة أدت إلى غلبة النظرة الآنية على النظرة الطويلة المدى
، وطغيان المصلحة الآنية على المصالح الطويلة المدى ، وغياب هيئة مركزية
تقوم بعملية التنسيق الشمولي للعمل المشترك . وضعف التنسيق بين الدول
العربية ، وقد استطاعت الفئات والجهات الداخلية والخارجية استخدام هذه
العوامل بمهارة لمواجهة قضية التعاون والتكامل بشكل عام والاقتصادي منها
بشكل خاص ، فعزفت على وتر السيادة القطرية , وتفاوت الأنظمة السياسية
والاقتصادية وتباينها وإثارة المخاوف الوهمية بشأن التناقض بين التبعية
القطرية والقومية . وانعكس ضعف الإرادة السياسية التكاملية في مظاهر مختلفة
أفرغ المؤسسات والمنظمات والاتفاقات من مضمونها ومحتواها وجوهرها
والاكتفاء باستمرار وجودها شكليا . وأسهم في ذلك عدم تبلور وعي شعبي ضاغط
يفرض على أصحاب القرار السياسي إرادة الالتزام به ....
المبحث الثالث: السوق العربية المشتركة.
السوق المشتركة هي أحد أشكال التكامل الاقتصادي بين مجموعات الدول ، تلزمالدول الموقعة على إتفاقيتها بكل ما يلي
-إلغاء كافة الضرائب الجمركية والقيود الاستيرادية على البضائع وطنية المنشأ بين الدولالأعضاء
-وضع تعريفة جمركية موحدة للدول الأعضاء تجاه الدول غير الأعضاء
-توفير حرية الانتقال التام لعناصر الإنتاج بين الدول الأعضاء دون أية ضرائب جمركية أو قيود كمية.
المطلب الأول: تاريخ السوق العربية المشتركة.
ترجع فكرة إقامة السوق العربية المشتركة الى عام ١٩٦٤ عندما عقد مجلس الوحدةالاقتصادية العربية اتفاقية ذات برنامج زمني اشتمل على مراحل متدرجة يتم خلالها تحرير التجارةمن الضرائب الجمركية والقيود الاستيرادية الأخرى . وأطلق على تلك الاتفاقية : اتفاقية السوقالعربية المشتركة ، انضمت أربع دول للسوق في عام ١٩٦٥ وهي : مصر وسوريا و الأردن
والعراق،
وبعد اثنتي عشرة سنة أخرى انضمت ثلاث دول أخرى هي : ليبيا واليمن
وموريتانيا عام ١٩٧٧, والحقيقة أنه خلال تلك الفترة كانت السوق العربية
المشتركة في حقيقتها وجوهرها منطقةتجارة حرة ولم تتطور الى اتحاد جمركي أو سوق مشتركة . ولكن على الرغم من ذلك فقد حققتحينها زيادة واضحة في حجم التجارة البينية لتلك الدول عام 1980ثم ظلت السوق قائمة
حتى تم تجميد عضوية مصر في الجامعة العربية بعد توقيع معاهدة السلام مع اسرائيل ، فتوقفتالدول الأخرى في السوق العربية المشتركة عن تطبيق الاتفاقية المعقودة بعد خروج أكبر سوق منحيث الحجم من الاتفاقية
وفي عام ١٩٩٨ أصدر مجلس الوحدة الاقتصادية العربية قرارا بشأن اعتماد البرنامج التنفيذيلاستئناف
تطبيق اتفاقية السوق العربية المشتركة بشكل تدريجي على ثلاث مراحل يتم
خلالها إلغاء كافة الضرائب الجمركية والقيود ذات الأثر المشابه بدءا من عام
١٩٩٩ وتم الاتفاق على تخفيض
قدره ٤٠ % من الضرائب الجمركية في كانون الثاني ( يناير ) ٢٠٠٠, و أخيرا 30% في كانون الثاني 2002.
.
تحفظت سوريا والأردن على هذا القرار ورأتا الاكتفاء بتطبيق اتفاقية منطقة التجارة الحرةالعربية الكبرى وعدم جدوى هذا القرار، وطلبت كل من اليمن وموريتانيا تأجيل تنفيذ التزاماتهاخمس سنوات أما العراق فلا يزال تحت الحصار الاقتصادي ، أما مصر فقد وافقت على الإسراعبتطبيق القرار . أما ليبيا فقد ألغت الضرائب الجمركية على وارداتها دفعة واحدة.
المطلب الثاني: مدى نجاح السوق العربية المشتركة.
امتدت فترة السوق العربية المشتركة من ١٩٦٥ وحتى ١٩٧٧ بوجود أربع دول فقط هي:
مصر والأردن وسوريا والعراق ثم انضمت ليبيا واليمن وموريتانيا في عام ١٩٧٧ قبل أنتتوقف السوق المشتركة في عام ١٩٨٠ لتعاود محاولة إحيائها مرة أخرى في عام ١٩٩٨ وحتىالآن.
والحقيقة أنه لم تنضم كثير من الدول العربية الى السوق العربية المشتركة خلال الستينات
والسبعينات بسبب أن السوق العربية المشتركة لم تكن في حقيقتها مشروعًا ولكنه كان قرارًا منمجلس الوحدة الاقتصادية العربية والذي استخدم السوق المشتركة كآلته لتحقيق الوحدة الاقتصاديةالعربية فكان يشترط انضمام الدولة الراغبة في السوق الى اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية أولا .
إضافة
الى حرية انتقال العمال ورؤوس الأموال مما جعل الدول قليلة عدد السكان
تتخوف من تغييرالتركيبة السكانية بها بما لها من مخاطر سياسية واجتماعية.
كما كانت آلية اتخاذ القرارات أيضا تتم بأغلبية الثلثين من بداية الانضمام الى اتفاقية الوحدةالاقتصادية العربية وليست بالاجماع كما كان الحال في السوق الأوروبية المشتركة في بداية تكوينالسوق مما جعل كثير من الدول العربية ومنها لبنان تخشى الانضمام خوفًا من إلغاء الهويةوالخصوصية الوطنيةخلال تلك الفترة وعلى الرغم من الاهتمام الكبير بتفعيل السوق المشتركة بين الدول الأعضاء, وما ترتب على ذلك من زيادة واضحة في حجم التجارة البينية خلال تلك الفترة مقارنة بفترة ما قبلإنشاء السوق . إلا انه وبعد مرور أربعين عاما على البدء بتطبيق اتفاقية السوق المشتركة و نتيجة
للظروف المختلفة التي مرت بها التجربة ، لا يمكن القول سوى أن حلم السوق العربية المشتركة لايزال يداعب خيالات المفكرين والسياسيين ورجال الأعمال والمواطنين ، وذلك على الرغم من أنالعالم كله يتجه نحو التكتلات الكبيرة,ذلك أن متابعة أداء الدول العربية اقتصاديا تبين لنا أن الناتج المحلي الإجمالي لها جميعا قدانخفض من ٥ر ٣% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي عام ١٩٩٢ الى ٥ر ٢% عام٢٠٠٠ ، كما تعادل التجارة العربية فقط ٧ر ٢% من اجمالي التجارة العالمية .
ويصل حجم التجارة الى ٥ر ٨% من مجموع التجارة العربية والتي تصل نسبتها مع أوروبا الى %٧٥
. كما تعاني الدول العربية في مجموعها من فجوة غذائية تصل الى ٤ر ١٢ % من حاجتها الى الغذاء.
كما يعاني ٦٣ % من العرب مشكلة الفقر ، وتعاني ٧٥ % من نساء العرب من الأمية وذلك كله فيعصر الألفية الثالثة . كل ذلك على الرغم من الإمكانات الواسعة للمشروعات المشتركة في المجالاتالزراعية والصناعية والخدمية المختلفة ولذا يمكن القول إن تجربة السوق العربية المشتركة لم تنجح حتى الآن.
المطلب الثالث: أسباب تعثر السوق العربية المشتركة.
يمكن تقسيم تلك الأسباب الى ثلاث مجموعات تتعلق بكل من الدول الأطراف ، والاتفاقية
ومجمل العمل العربي المشترك على النحو التالي:
أولا: أسباب تتعلق بالدول الأطراف.
تتمثل هذه الأسباب في الصعوبات السياسية والصعوبات الاقتصادية التي تواجهها تلك الدول
فرع1: الصعوبات السياسية:
-لعل من أهم هذه الصعاب هي فقدان وضعف الإرادة السياسية المساندة للتكامل لدى العديد منالدول العربية ، وتغلب النظرة القطرية على النظرة القومية
-ضعف فاعلية القرار السياسي وانعدام روح الالتزام به من جانب الدول المعنية ولعل ذلك يرجعبالدرجة
الأولى الى تغييب الجماهير العربية عن المشاركة في اتخاذ القرارات
الاستراتيجية (ومنها قرار إنشاء السوق العربية المشتركة ) . ولعل ذلك يطرح
قضية بالغة الأهمية وهي غيابالديمقراطية الحقيقية.
-الانعكاسات السلبية الضارة للتقلبات في العلاقات السياسة بين الدول على الاعتبارات التجاريةوالاقتصادية وعلى التكامل الاقتصادي العربي
فرع2: الصعوبات الاقتصادية للتكامل الاقتصادي العربي:
اختلال الهياكل الاقتصادية للدول العربية ويتضح ذلك جليا من اعتمادها في معظمها على سلعةواحدة أو عدد قليل من السلع لا تستطيع أن تدفع معدلات التنمية في الأجل الطويل ، أو تحقيق الاستقرار الاقتصادي في الأجل القصير . واستمرار هذا الاختلال حتى بعد مرور نصف قرن منالحرب الثانية وجعل هذا معدلات التنمية الاقتصادية بالدول العربية غير البترولية منخفضة.
ويتضمن ذلك شيء في غاية الأهمية وهو أن الدول العربية تفتقر الى القوى الديناميكية .لتصحيح الاختلالات الهيكلية الإنتاجية أو ما يسمى بالمقدرة على التحول
يضاف إلى ذلك أن الهياكل الاقتصادية العربية أقرب ما تكون بدائل لبعضها البعض وليستمكملة فإذا ربطنا بين المصالح الاقتصادية لكل دولة عربية وضعف المقدرة على التحول لتبين لنا أنتلك
الهياكل تدعوا الى التفكك لا إلى التكامل.فغالبية النظم السياسية ف