فشل هيئة الأمم المتحدة في تحقيق أهدافها
الدكتور غالب الفريجات - الأردن
قامت هيئة الأمم المتحدة بعد انتهاء الحرب العالمية
الثانية، التي كبّدت البشرية الملايين من الضحايا، بسبب الصراع الدولي، وبشكل خاص
عدوانية الغرب الأوروبي-الأميركي، الذي دأب على ممارسة العدوان اتجاه نفسه واتجاه
الآخرين، وعندما تعبت هذه الدول العدوانية، واحتكت للصلح بعد انتصار الحلفاء،
بريطانيا وفرنسا وأميركا، قامت بصياغة ميثاق الأمم المتحدة، من أجل نشر الأمن
والسلم في العالم، وهي كاذبة لان نشر الأمن والسلم لا ينسجم مع شهوة السيطرة، التي
جاءت بها نتائج الحرب العالمية الثانية، والتي خلقت اسوأ مشروعين امبرياليين في
الوطن العربي، مشروع التجزئة ومشروع قيام الكيان الصهيوني.
ومع اقتسام النفوذ العالمي بين ما سمي بالأعضاء الدائمين
في مجلس الأمن، باستثناء الصين التي جاءت بديلا عن الصين الوطنية المحمية
الأميركية، وبفضل نضالات الشعب الصيني، وصميمية القيادة الصينية على أن يكون
التمثيل الحقيقي لشعب الصين العظيم بقيادة الحزب الشيوعي، تخلت أميركا عن رعاية
محميتها، وأعطي مقعد مجلس الأمن للصين الشعبية.
ومع انهيار المعسكر الاشتراكي - حلف وارسو، الاتحاد السوفييتي
وحلفائه من النظم الشيوعيةـ، بفعل فشل سياسات الحزب الشيوعي في روسيا، وانهيار
سلطة الدولة من الداخل، فقد فقدت الأمم المتحدة سياسة القطبين، اللذين كانا يمثلان
روسيا والولايات المتحدة، وقد كانت السياسة القطبية هذه، تشكل حالة من التوازن
الدولي، لا تسمح بتمادي المعسكر الامبريالي الغربي بقيادة الولايات المتحدة،
بالهيمنة في القضايا العالمية، وكان الاتحاد السوفييتي يمثل حائطا تستند عليه دول
العالم الثالث، لحمايتها من الغول الامبريالي الأميركي.
مع استفراد الولايات المتحدة بأحادية القطب الدولي،
انهارت معها حالة التوازن، وحلّ الرعب الدولي بتوجيه وممارسة الإدارة الأميركية،
ولم تعد هيئة الأمم المتحدة ذات قيمة ووزن على المستوى الدولي، لان الإدارة
الأميركية قد أهملتها، ولم تعرها أي اهتمام، فكانت الأمم المتحدة بمثابة منظمة
تابعة لوزارة الخارجية في واشنطن، فان توافقت مع طموحات أميركا تمسكت بقراراتها،
كما حصل في قرارات مجلس الأمن ضد العراق، وإن لم تنسجم مع أهدافها ضربت بها عرض
الحائط، كما تم في جميع القرارات الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية.
بسقوط الاتحاد السوفييتي، أصبحت ظهور دول العالم عارية
إمام سياط اللاعب الأميركي المجرم، والمتعطش للانتقام من الدول الوطنية، التي كانت
ترفض سياساته في السابق، وسعت إلى تفكيك العالم الثالث، وخاصة الدول الرئيسية في
قيادة دول عدم الانحياز، الهند ومصر ويوغسلافيا، فالهند تم استيعابها، ومصر انتهى
دورها مع رحيل قيادتها الوطنية، ويوغسلافيا تم تفكيكها، وعندما فشلت في توظيف
قيادة ملالي طهران لضرب النظام الوطني القومي في العراق، لجأت لأسلوب المواجهة
المباشر، كما تم في حفر الباطن، وبتوظيف النظام العربي الرسمي، وحشد دول العالم،
التي كانت مرعوبة من هيمنة الولايات المتحدة، وخائفة على نفسها من البطش
الامبريالي، الذي تعمق لدى الأميركان، بفعل محاولاتهم الحثيثة لاستثمار الوقت
للهيمنة، قبل أن تعود سياسة التعددية القطبية، التي تحد من ممارساتهم العدوانية.
إن السياسات الامبريالية الأوروبية والأميركية، قد أفشلت
الأمم المتحدة من أن تأخذ دورها، في نشر الأمن والسلم في العالم، وزادت من النفوذ
الامبريالي، واتسمت هذه المرحلة بغياب التعددية، والعمل الجماعي الدولي، وزادت نسب
الفقر والمرض، والفشل في حل القضايا الدولية العالقة كما في فلسطين، وازداد انتشار
السلاح النووي، وفشل في منع العدوان الامبريالي من قبل الولايات المتحدة على دول
العالم الثالث، وغابت الديمقراطية عن مؤسسات الهيئة الدولية، مثل صندوق الدولي
والبنك الدولي.
ان سياسة الولايات المتحدة في ذهابها لتجييش الجيوش ضد
الدول والأنظمة الوطنية، التي لا تنسجم وسياساتها، كما في أفغانستان والعراق، وعدم
انصياعها للقرارات الدولية، وعدم احترام مؤسسات الامم المتحدة، والتي رفضت العدوان
على العراق بشكل خاص، قد ساهم في فقدان المنظمة الدولية لهيبتها، وعدم قدرتها على
ممارسة دورها المنوط بها، وهو العمل على نشر الأمن والسلم في العالم، وان سياسة
مواجهة الإرهاب التي ابتدعتها الإدارة الأميركية، ما هي إلا لتنفيذ سياسة العدوان
والغطرسة الامبريالية الإجرامية.
إن الأصوات التي تعلو في اجتماع الدورة الرابعة والستين
للجمعية العمومية، بضرورة العودة إلى ميثاق الأمم المتحدة، هي أصوات تعني فك اسر
المنظمة الدولية من القيد الذي كبلتها بها السياسة الأميركية، والتي قد فشلت فشلا
ذريعا في استفرادها باتخاذ قرارات الحرب ضد أفغانستان والعراق، ولم تع فشل
العدوان، الذي قامت به إلا بعد أن أخذت صفعات المقاومة الباسلة في العراق وأفغانستان،
تلطم الوجه الأميركي القبيح.
إن الإدارة الأميركية مسؤولة عن سياسات الهيمنة
والاستفراد، وعدم الانصياع للإجماع الدولي، إلى جانب أن مجلس الأمن بغياب التعددية
القطبية أصبح سلاحا يسلط على رقاب "دول العالم الثالث"، ويزيد من غطرسة
المارقين في هذا العالم، وبشكل خاص الإدارة الأميركية والكيان الصهيوني، وهو ما
عاد يشرف المنظمة الدولية، ولا أي ادعاء لها بتمثيل العالم، والعمل على نشر الأمن
والسلم فيه، والسعي للأخذ بيد الإنسان للخلاص من الفقر والجهل والبطالة وويلات
الحروب.
أن إصلاحا جذريا مطلوب لهيئة الأمم المتحدة وجميع
مؤسساتها، بحيث يكون التمثيل فيه ديمقراطيا، بعيدا عن الهيمنة الدولية لعالم
الكبار، والعمل على معاقبة أي من أعضائها، لا يعمل على احترام قراراتها، والسعي
للعمل لصالح الإنسان ومستقبله، لا إلى العمل لعودة الاستعمار القديم، القائم على
الهيمنة على مقدرات الشوب ونهب خيراتها، ومن هذا المنطلق لابد من لجم سياسات
العدوان الامبريالي الأميركي الصهيوني، وتحميلهما كل ما آلت إليه نتائج عدوانيتهما
في فلسطين والعراق، حتى يعيش العالم بأمن واستقرار بعيدا عن ويلات الحروب والتفرغ
لما ينفع الناس في كل مكان من هذا العالم