عرف الاقتصاد الجزائري منذ أواخر الثمانينيات تحولاً جذريًا شمل توجهات كبرى بعدما تبين هشاشة الاقتصاد الوطني من حيث ضعف الهيكل الإنتاجي وقصوره في استيعاب المداخيل المالية الكبيرة التي جنتها الجزائر بفضل ارتفاع أسعار البترول في السوق العالمية بعد حرب أكتوبر 1973 ، إذ كان الاطمئنان المضلل لسلامة الاقتصاد الوطني بالنظر إلى الوفرة المالية التي يحوزها سبيلاً مشجعًا للسلطة على اتخاذ إجراءات ذات طبيعة «شعبية» هدفها ترضية الجبهة الاجتماعية وكسب ودها بمظاهر رفاهية مفرطة لم تراع حقائق ومقتضيات التوازنات الكلية للاقتصاد
، ولم تقدر الآثار اللاحقة من وراء الإخلال بقواعد الاقتصاد الجزئي حيث انتقلت الجزائر بقوة من اقتصاد اعتمد في بداياته الأولى على الريع الزراعي في الستينيات، مرورًا بإقامة نسيج صناعي هش في السبعينيات إلى بلد مأخوذ بضخامة الريع النفطي العالمية في الثمانينيات، إلا أنه ومع البدايات الأولى لأزمة النفط العالمية ظهرت انعكاسات السياسات الاقتصادية بصورة سلبية وقاسية على الدولة والشعب، فارتفع معدل التضخم إلى مستوى قياسي، وعجزت الدولة عن وضع حد لانهيار اقتصادي متسلسل، وأعلنت عدم قدرتها على الوفاء بديونها الدولية، واضطرت إلى جدولة ديونها الخارجية مرتين، حينها بدأت عملية إرساء أسس نظام اقتصادي مفتوح يتراجع معه حضور الدولة ومؤسساتها العامة في النشاط الاقتصادي لحساب القطاع الخاص وفق قواعد اقتصاد السوق كضرورة وطنية وسبيلاً وحيدًا لإنقاذ سيادة البلاد، ولم تكن عملية التحول هينة بعد مرور أكثر من ربع قرن من تطبيق نظام اشتراكي شديد التمركز والتخطيط، كما لم يكن سهلاً الاعتماد على مسؤولين بعقليات اشتراكية لتنفيذ السياسة الاقتصادية الجديدة، أكد انهيار المعسكر الاشتراكي أن النظام الاقتصادي الرأسمالي الحر هو النظام السائد والمسيطر، ومنه اتجهت التشريعات إلى إعادة تنظيم شاملة للحياة الاقتصادية وأدواتها مثل تحرير النشاط التجاري الداخلي، وحرية التجارة الخارجية، وخصخصة المؤسسات العامة وفتح المجال أمام الاستثمار الوطني والأجنبي، وتشجيع مشاريع الشراكة، مع اتباع سياسة التحرير الجزئي والتدريجي للأسعار، وبالموازاة مع هذا تم استحداث هيئات لضبط النشاط مثل مجلس النقد و القرض الذي أعاد النظـــر في ظروف تسيير البــنوك، وفي ضبط القرض وتخصـــيص الموارد، وفي حركة رؤوس الأموال مع الخارج، وواكب هذا قوانين اجتماعية نظمت علاقات العمل، وضبطت ممارسة الحق النقابي، وحق الإضراب، ووضعت قواعد وضوابط للتشاور الاجتماعي.
وهكذا أصبحت ما سميت بالإصلاحات الاقتصادية التي اهتمت بالمؤسسة والاستثمار، والنقد والقرض والأسعار والأجور والتجارة مكملة للإصلاحات السياسية التي أسست الديمقراطية القائمة على التعددية.
تسجل الجزائر حاليًا وضعًا اقتصاديًا كليًا مستدامًا وعودة للتوازنات المالية الكلية، فلقد شهد النمو الاقتصادي زيادة في الحجم بين عامي 1999 و2005 بمتوسط قارب 4%. كما سجل تحسنًا ملحوظًا لوتيرة النمو في أعوام 2003 و2004 و2005 بنسب 6,9% و5,2% و5,1% على التوالي، ومنذ بداية عام 2000 تعززت الوضعية المالية الخارجية بفضل ميزان المدفوعات الذي شكل قاعدة لهذه الوضعية وساهم في تعزيزها خلال الســنوات من 2001 إلى 2007 المحيط للدولي الملائم المقرون بارتفاع أسعار النفط في السوق العالمية، وهذا التحسن في الوضعية المالــية الخارجية سمح بتخفيض مؤشــرات الدين الخارجي بعد اللجــوء إلى الدفع المسبق للدين الخارجي منذ عام 2004 إلى حوالي 4 مليارات دولار عام 2008. لقد أدركت الحكومة أن عائدات النفط التي تحتل مكانة أساسية ضمن عائدات الميزانية معرضة لتقلبات أسعار النفط الخام، لذا قررت تأسيس صندوق ضبط الإيرادات عام 2000 لتأمين الاقتصاد من أي انعكاسات سلبية لهذه التقلبات، وموارد هذا الصندوق هي الفارق بين سعر برميل النفط في السوق العالمية وسعره المرجعي المعتمد في إعداد الميزانية السنوية.
إن ترقية السياسات الاقتصادية الكلية التي تدعم التنمية المستدامة يبقى هدفًا أساسيًا، ففيما يتعلق بتعزيز إطار الاقتصاد الكلي أنعشت الجزائر منذ أكثر من عقد من الزمن نموها الاقتصادي ، وبغية تعزيز النمو شرعت في مخطط لدعم الانتعاش الاقتصادي خلال الفترة بين 2001 و2004 بقيمة 7 مليارات دولار يهدف أساسًا إلى تأهيل ورفع مستوى المنشآت التحتية القاعدية في المناطق التي تأثرت بشكل خاص من الإرهاب والجفاف، ومن أجل دعم مستويات النمو خلال الفترة 2005 / 2009 تــم إطلاق البرنامج التكميلي لدعم النمو وبرنامجي الجنوب والهضاب العليا بميزانية قيمتها 200 مليار دولار خصصت أساسا لإعادة التوازن الإقليمي من خلال تطوير شبكة الطرق والسكك الحديدية وتحديثها، والتخفيف من المشاكل في مجال الموارد المائية، وتحسين الظروف المعيشية للمواطنين في مجالات السكن والرعاية الطبية والتعليم، وكذا تطوير الخدمات العامة وتحديثها.
إذا كان لا يزال من الممكن اليوم التحكم في دعم توازنات الميزانية بفضل الوفرة التي يتيحها صندوق ضبط الإيرادات، فإن المستقبل ينطوي على الكثير من المخاطر على مستويات الوفرة المالية لأنها مرتبطة بالتغيرات التي يشهدها سعر البترول في السوق العالمية، ولمواجهة هذه الاحتمالات عقد العزم على التوجه نحو التخفيف من النفقات العامة، وإعادة النظر في السياسات الحالية فيما يتعلق بدعم الأسعار والمساعدات المالية الاجتماعية، أي الاتجاه مجددًا إلى سياسة تقشفية سيتحمل عبأها المواطن بالدرجة الأولى. لعل المتأمل لطبيعة المشاريع التي تتضمنها برامج النمو ودعمه يقف على حقيقة أن الأمر في مجمله يتعلق بجوانب اجتماعية غير منتجة لتدارك مستوى معين من درجات التخلف ليس موجهًا لدعم قدرات وإمكانيات القطاع الصناعي المنتج للثروة، ومن ناحية أخرى، أنشئت المحافظة السامية للتخطيط والدراسات الاستشرافية في يوليو 2008 لتقييم السياسات الاقتصادية والاجتماعـية وإجراء الدراســـات الاستشرافية الخاصة بالتنمية المستدامة، وبهذا الخصوص، أبقت المحافظة الوطنية للتخطيط والاستشــراف على الخطة المديرة لسنة 2009 لضمان تناســـق القرارات الاقتصاديـــــة، وتقييم تنفيذ برامج التجهيز للفـترة ما بين 2001 و 2009 لاستنتاج الشروط اللازمة لوضع البرنامج الخماسي المقبل 2010 / 2014.