السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إدارة المشروع
الإدارة مصدر أدار، وأدار الشيء جعله يدور وتعاطاه وأحاط به. وقد اكتسب هذا الفعل في العصر الحديث معنى فيه بعض التوسع في المعنى الأول، وغدا القول «أدار شؤون الدائرة أو الوحدة الإنتاجية» يعني ساسها وتولى تصريف أمورها فهو مدير. فإذا تولت شؤون المؤسسة أو الوحدة الإنتاجية هيئة وقامت بإدارتها كان الحديث عنها على أنها الهيئة التي تتولى شؤون مشروع متكامل صناعي أو تجاري أو إنتاجي أو غير ذلك. ومن هنا يكون الحديث عن إدارة المشروع enterprise management للدلالة على من يتولى شؤون المشروع من حيث التوجيه والإشراف على العاملين والمعطيات الإنتاجية المتكاملة.
والإدارة عمل إنتاجي قائم بذاته، ولها دور أساسي في العمليات الإنتاجية ولها خصائصها.
ولما كانت عناصر الإنتاج لا تستطيع أن تأخذ وضعاً إنتاجياً إلا عندما تكون على هيئة «وحدة إنتاجية»، أو ما يُسمى بالمشروع، كانت العمليات الإنتاجية لا تستطيع أن تأخذ مجراها إلا بإمرة مركز قيادي واحد هو قيادته الإدارية،وهكذا يكون دور الإدارة في الوحدة الإنتاجية مماثلاً دور الدماغ في جسم الإنسان، وتكون مهمة الإداري هي تنظيم أوضاع المشروع والإشراف على سير العمل فيه واتخاذ القرارات الكفيلة بتجميع عناصر الإنتاج داخل المشروع باستخدام أفضل التقنيات المناسبة لعمليات الإنتاج وتوفير أفضل الشروط لمجمل العلاقات الإنتاجية داخل المشروع وعلاقات المشروع مع المحيط الخارجي. إن كل هذه العمليات يجب أن تتم على أساس هو تحقيق أكبر مردود ممكن بأقل مقدار من التكاليف، أو بتعبير أكثر شيوعاً هو الحصول على الربح، والإدارة هي إذن، من حيث الإجراء، العملية أو الطريقة المستخدمة لتسييرالمشروع بحسب تقنيات مناسبة، يمكن تسميتها تقنيات الإدارة، من أجل الحصول على الربح أو تحقيق منفعة عامة. وإدارة المشروع يمكن أن يقوم بها شخص واحد هو رئيس المشروع، ويمكن أن تقوم بها مجموعة صغيرة من الأفراد يسمون المديرين، وذلك بحسب حجم المشروع.
المنظور التاريخي
تطورت إدارة المشروع تاريخياً مع تطور طبيعة المشاريع ذاتها سواء أكانت تجاريةً أم صناعيةً. فقد مرّ المشروع بمرحلة الصانع البسيط الذي كان يستخدم أدواته البسيطة ويعمل لتدارك حاجاته الضرورية، إلى مرحلة الصانع المتنقل الذي كان يقوم بتحويل بعض المواد ويقدمها لغيره (للمستهلك) مقابل سلعة أخرى، وإلى مرحلة الصانع المحترف الذي كان يشتري المواد الأولية لحسابه ويصنعها بأدواته اليدوية ثم يبيعها مصنوعة للتاجر الوسيط. ثم جاء دور آخر فقد فيه الصانع استقلاله وأصبح يعتمد على صاحب العمل الذي يقدم له المواد الأولية فيصنعها هو في منزله ثم يسلمها إلى صاحب العمل، وبذلك تحرر الصانع من عبء الشراء والبيع والتمويل ومن مخاطر ملكية المواد والبضائع المصنوعة. وظل كذلك إلى أن ظهرت الآلات الحديثة وتم استخدامها فطغت على الآلات اليدوية وأصبح في غير مقدور الصانع أن يملك الآلة الحديثة للإنتاج، فراح يؤجر عمله لأصحاب المصانع.
وهكذا حل المصنع محل المنزل مكاناً للإنتاج وأصبح الإنتاج لمد الأسواق بدلاً من الإنتاج لتلبية طلبات، وبدأت المشروعات الكبرى وشركات الأموال في الظهور والانتشار، وبدأت المنافسة تحتدم بين المنتجين على اكتساب الأسواق والفرز برضى أكبر عدد من المستهلكين فازدادت أهمية الإدارة لتغدو عاملاً رئيساً من عوامل النجاح في الإنتاج والتسويق وتحسينهما وفي زيادة الأرباح، وبدأ الطلب على فئة المديرين الذين تتوافر لديهم القدرة والخبرة يزداد يوماً بعد يوم، في حين لم يكن هنالك في الماضي من يفكر بهذه المهنة الإدارية على أنها عمل مستقل بل كانت من ضمن الأعمال التي يقوم بها المنتج ذاته.
وتتخذ المشروعات أشكالاً قانونية مختلفة بحسب طبيعة تكوينها والغاية التي تُنشأ من أجلها. فقد تكون مشروعات فردية أو مشروعات عامة تمتلكها الدولة، وقد تكون شركات تضامن أو شركات توصية بسيطة أو شركات محاصّة. وقد تكون أيضاً شركات أموال مساهمة أو شركات ذات مسؤولية محدودة. وهناك أيضاً المشروعات المختلطة وكذلك الشركات ذات الجنسيات المتعددة.
ويتأثر اختيار الشكل القانوني للمشروع بعدة عوامل يكون في مقدمتها: مدة المشروع المتوقعة، ودرجة المخاطر والمميزات المختلفة التي تمنحها الدولة لبعض الأشكال القانونية من دون غيرها، ونظرة المجتمع إلى كل شكل من الأشكال القانونية المختلفة للمشروعات.
الوظائف في المشروع
تتوقف الوظائف الرئيسة للمشروع على طبيعة النشاط الذي يقوم به. فإذا كان المشروع صناعياً كانت أهم الوظائف الرئيسة فيه الوظائف الآتية:
وظيفة الإنتاج: وتعد من أهم الوظائف في المنشآت الصناعية، وهي تتعلق بإيجاد المنافع الشكلية للمواد والخامات،وذلك بتحويلها إلى سلع يمكن أن تشبع حاجات المستهلكين ورغباتهم. ولكن هذه الوظيفة الأساسية تنطوي على الكثير من الوظائف الفرعية مثل اختيار موقع المصنع، وترتيب الآلات، وتحديد درجة الآلية، والتصميم الهندسي للسلعة والتنظيم الداخلي للتسهيلات الإنتاجية والعمليات الإنتاجية داخل المصنع، والحصول على المواد، وتخطيط الإنتاج،ورقابة الإنتاج والجودة.
الوظيفة المالية: تعد هذه الوظيفة حيوية لكل مشروع، لأن جميع مشروعات الأعمال تحتاج إلى الأموال حتى تستطيع القيام بنشاطاتها.
وكل وظائف المشروع الأخرى تقريباً لا يمكن النهوض بها من دون توافر الأموال اللازمة، فمهمة هذه الوظيفة هي تزويد المشروع بالمال اللازم من مصادر متعددة قد تكون دائمة أو مؤقتة وقد تكون ملكية أو اقتراضاً. ولا يقتصر النشاط المالي على الحصول على الأموال بل يمتد لكي يشمل الرقابة على الاستخدام الفعال لهذه الأموال. ومن أهم أهداف هذه الوظيفة العمل على احتفاظ المشروع بسيولة نقدية كافية تجعله قادراً على مقابلة التزاماته عند حلول مواعيدها.
ويدخل ضمن هذه الوظيفة النشاط المحاسبي للمشروع.
وظيفة الأفراد: تتعلق هذه الوظيفة بالحصول على القوة العاملة وجعلها راضية ومتعاونة في تنفيذ الأعمال. ويستلزم هذا القيام بنشاطات مختلفة مثل حصر الوظائف اللازمة وتحديد مواصفاتها، والمحافظة على اتصال وثيق مع سوق العمل، والحصول على الأفراد المناسبين وتأهيلهم للعمل. وتهتم بوضع سياسات الأجور والمكافآت والترقيات، وتنظيم علاقات العمل، وتقديم الخدمات للعاملين ومراقبتهم للتأكد من أن العاملين يعملون على تحقيق أهداف المشروع.
وظيفة التسويق (أو الإدارة التجارية): تهتم هذه الإدارة بكل النشاطات الضرورية التي تبذل ليبقى طلب السلع التي ينتجها المشروع قائماً.
وهي توجه نشاطاتها، بوجه خاص نحو انسياب السلع والخدمات من مراكز الإنتاج إلى مراكز الاستعمال أو الاستهلاك. إن هذه الوظيفة الحيوية التي تعد المحور الرئيس في منشآت الأعمال تشمل وظائف أخرى مهمة مثل عملية البيع والتخزين والنقل. فوظيفة البيع تهتم بتحويل ملكية السلع والخدمات من المنتج إلى الوسطاء أو المستهلكين مما يستدعي اختيار طرائق التوزيع المناسبة وتحديد أسعار البيع، والقيام بالحملات الإعلانية والترويجية لكسب «زبائن» المشروعات المنافسة، وكذلك اختيار العاملين في البيع وتدريبهم.
أما وظيفة النقل فتعمل على خلق المنفعة المكانية للسلع، في حين تعمل وظيفة التخزين على خلق المنفعة الزمنية.
بحوث العمليات ودراسة السوق: تهدف بحوث العمليات إلى حل مشاكل الإدارة التي تنشأ في المؤسسات الصناعية والتجارية وغيرها.
وتُستخدم من أجل ذلك طرائق علمية تطبق بها الأساليب الكمية لحل هذه المشاكل سواء أكانت تسويقية أم إنتاجية أم لأغراض عسكرية أم غير ذلك.
أما أبحاث السوق فقد عرّفتها جميعة التسويق الأمريكية بأنها تلك المعلومات التي يتم تجميعها وتسجيلها وتحليلها بشأن كل ما يتعلق بمشاكل تسويق السلع والخدمات. لذا فإن هذه المعلومات تختص بالنشاطات التسويقية سواء أكان ذلك متصلاً بالمنتج أم بالبائع أم بالمستهلك ويجب أن تأتي هذه المعلومات من مصادر موثوق بها، ويجب أن تكون مطابقة لواقع السوق. ويتركز نشاط أبحاث السوق بوجه خاص على النشاطات التي تتضمن جمع المعلومات وتحليلها واتخاذ القرارات المناسبة لحل مشكلات التسويق. وتطورت أبحاث السوق مع تطور المشروعات وتنوع منتجاتها. أما عملية أبحاث السوق فإن في مقدمة ما تشمله، تحديد المشكلة واقتراح الحلول أو البدائل المناسبة لمعالجتها، ووضع تصاميم تفصيلية لكل من البدائل المقترحة، وجمع المعلومات المتعلقة بكل منها.
وقد أسهمت التقنية الحديثة،وخاصة الحاسوب، في حل مشاكل أبحاث السوق واعتمدت الطرائق الكمية مثل بحوث العمليات ونظرية المباراة للوصول إلى الحل الأمثل لمشاكل المخزون، وتخصيص الموارد ودراسة مشكلة الوقت فيما يتعلق بمراحل الإنتاج أو بخدمة ما، وكذلك المنافسة بين المشروعات. وقد قدمت هذه التقنيات إلى المسؤولين عن التسويق نتائج مهمة أسهمت إلى حد كبير في اتخاذ القرارات المتعلقة بهذه المشاكل.
وظائف الإدارة
يجب التفريق بين وظائف المشروع التي ذكرت آنفاً ووظائف الإدارة التي هي من مهام المدير الإداري أو الجهاز الإداري. وقد اتفق المفكرون الإداريون على أن النشاط الإداري يتألف من مجموعة من الوظائف الإدارية التي يمارسها المديرون. إلا أن هؤلاء المفكرين أنفسهم اختلفوا في تعداد هذه الوظائف تبعاً لاختلاف فلسفة الباحث المهتم بهذه الوظائف وطريقة تصنيفها. ويذهب بعض الباحثين إلى أن وظائف الإدارة هي التنبؤ والتخطيط والتنظيم والقيادة والتنسيق والرقابة. ويحدد آخرون هذه الوظائف قائلين إنها التخطيط والتنظيم والتوظيف والتوجيه والرقابة. وثمة باحثون آخرون يرون أن مهمة المدير هي وضع الأهداف والتنظيم والتنشيط.
إن عملية وضع الأهداف هي نقطة البداية لكل مشروع، ثم تأتي عملية التخطيط لتنفيذ هذه الأهداف. ومن هنا أتت التسمية وهي التخطيط بالأهداف، ويعني ذلك توجيه النشاطات من أجل تحقيق أهداف المشروع بوساطة خطط منسجمة ومنسقة فيما بينها.
أما التنظيم فيؤلف البنية التحتية لنظام الإدارة وذلك بإنشاء أقسام إدارية مكونة من عناصر إنسانية حددت لها أهداف ومهمات وجهزت بالمصادر اللازمة من أجل القيام بواجباتها، لذا عرفت الأوضاع والأدوار التي تقوم بها هذه الأقسام في المشروع ووضعت لها الطرائق والسبل اللازمة من أجل معرفة سير عملها. وأدرج كل ذلك ضمن الهيكل التنظيمي للمشروع الذي يحدد العلاقات الضرورية بين مختلف الأقسام من أجل تنسيق نشاطات العاملين في المشروع، ومراقبتها وتقويمها. ويلجأ المدير عند تنظيم مختلف النشاطات وجمعها في وحدات إدارية إلى أسس تحقق مزايا التنظيم الجديد. وهذه الأسس هي: تجميع النشاطات بحسب وظائف المشروع والتجميع على أساس المناطق الجغرافية أو مواقع هذه الوحدات والتجميع على أساس السلع والتجميع على أساس العملاء والتجميع على أساس العمليات والتجميع على أساس الوقت (بحسب الورديات).
أما التنشيط فهو العملية التي تعنى بتوحيد الكفايات الفردية وحفزها عن طريق التأثير في قدرات العاملين وإمكاناتهم، وذلك بتأهيلهم وتكوينهم من أجل تحسين كفايةالمشروع وتحقيق أهدافه.
ومن أجل ذلك لا بد من أن تلتقي دوافع العاملين في المشروع مع دوافع المشروع نفسه.
لذا تقوم الإدارة بعملية الرقابة الاجتماعية التي تتضمن طرائق السلطة، وتقويم النتائج، والعقوبات، والمكافآت، وتكوين الأفراد وكيفية قيادتهم. وحتى يحقق المشروعأهدافه لا بد من أن تتوحد جهود جميع أقسامه مع جهود الأفراد في جو يسوده التعاون والانسجام. ومن هنا جاء حرص الإدارة على رفع معنويات العاملين بالمشروعوالاهتمام بجو العمل. هذا ما دعا أصحاب مدرسة «علم نفس اجتماع المنظمة» إلى أن يهتموا بفكرة التنشيط في العمل ودراسة سلوك العاملين واتجاهاتهم وذلك من أجل أن تلتقي مصالح العاملين مع مصالح المشروع.
الأبعاد الاجتماعية للمشروع
إن إحدى الخصائص البارزة للمشروع هي أنه نوع خاص من تجمع الأفراد. وبفضل إسهام هؤلاء الأفراد في العمل الجماعي يستطيع المشروع أن يحقق الأهداف التي أنشئ من أجلها. إلا أن هؤلاء الأفراد ينتمون إلى طبقات اجتماعية وفئات مهنية، يأتي كل منهم إلى المشروع ومعه قيمه ومعتقداته، وله أهدافه التي يريد تحقيقها انطلاقاً من العمل الذي يقوم به،وبذلك يبرز الصراع بين الفرد والمشروع لأن لكل منهما هدفه الخاص ولأن كلاً منهما يبحث عن منفعته الخاصة.
ثم يتطور هذا الصراع ليأخذ شكلاً آخر وبُعداً جديداً هو البحث عن امتلاك وسائل الإنتاج، وإن لم يتحقق ذلك فيصبح الصراع من أجل الحصول على سلطة القرار في المشروع أو المشاركة فيه على الأقل. وهو ما يلحظ غالباً في المشروعات التي توجد في النظم الرأسمالية.
أما في حالة المشروعات التي تعمل في ظل نظام اشتراكي أو سائر على طريق الاشتراكية فغالباً ما تتجه إدارة المشروع نحو منحى آخر هو الأخذ بمبدأ ديمقراطية الإدارة،ويعني ذلك أخذ المنتجين زمام المبادرة في إدارة المشروع مباشرة أو تمثيلهم في مجالس الإدارة أو اللجان الإدارية.
وبذلك يستطيع العاملون في الإنتاج أن يرعوا مصالحهم مباشرة عن طريق وضع الأهداف والخطط أو المشاركة في وضعها، وبذلك يزول الصراع وتتوافق مصالح العاملين مع مصالح المشروع والمجتمع على السواء.
إدارة المؤسسات والشركات في سورية
إن البلدان السائرة في طريق النمو مثل القطر العربي السوري، لا بد لها من أن تمتلك الأداة الحقيقية التي تسهم في دفع عملية التحول الاشتراكي قدماً نحو الأمام ألا وهي ملكية وسائل الإنتاج وإيجاد قطاع عام يلبي الحاجات والأهداف التي يتطلع إليها المجتمع. ووجود القطاع العام أمر تفرضه أسباب اقتصادية وسياسية واجتماعية ومالية، ومن أهمها:
ـ الأخذ بمبدأ التخطيط الشامل والتوجيه الاقتصادي الذي يجعل من الضروري وجود قطاع عام قوي قادر على قيادة خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتوجيهها بما يحقق الأهداف المطلوبة.
ـ عزوف القطاع الخاص عن الاستثمار في بعض القطاعات وذلك إما لضخامة رأس المال الذي تتطلبه، أو لطول فترة الانتظار التي لا بد أن تنقضي حتى تعطي هذه الاستثمارات عوائدها، أو للمخاطر الكبيرة التي قد يتعرض لها القطاع الخاص نتيجة لعدم وضوح ربحها.
ـ الرغبة في تحقيق انسياب السلع التموينية الأساسية وبعض الخدمات العامة لأفراد الشعب باستمرار.
ـ السرية المتوخاة في بعض الصناعات الاستراتيجية والعسكرية.
ـ الحيلولة دون الاستغلال والاحتكار وتمليك المشروعات لمن يعمل بها.
إلا أن إنشاء هذا القطاع العام وتأميم المؤسسات الإنتاجية الكبيرة اللازمة للصالح العام في القطر يفرضان بالضرورة تطبيق مفهوم الإدارة الديمقراطية لوسائل الإنتاج في الوحدات الاقتصادية ومؤسسات الدولة. وهذا المفهوم ملازم للوضع العام الذي اقتضاه النمو الاقتصادي للقطر والمنحى الذي يأخذ به، وهو الشكل التنفيذي لأسلوب تسيير العمليات الإنتاجية في نظام اجتماعي متكامل متجاوب مع تطلعات الشعب وترعاه القيادة السياسية في الدولة. وثمة حقيقة ثابتة هي أن الإدارة الديمقراطية لوسائل الإنتاج بوجهها الأمثل هي في الواقع ديمقراطية العاملين المنتجين، لأن الإدارة، وهي عمل إنتاجي، لا تجري ممارستها إلا في نطاق الوحدات الإنتاجية، ومسؤولية الإدارة تقع بكاملها على عاتق مجموع الأفراد العاملين بها.
وثمة حقيقة أخرى هي قضية الالتزام التي يجب على إدارة الوحدة الإنتاجية مراعاتها تجاه مختلف الأطراف ذات المصلحة في سلامة سير الفعاليات المختلفة وهذه الأطراف هي الشعب بمجموع أفراده. والدولة مسؤولة عن رعاية مصالح الشعب لأنها تتوخى المصلحة العامة، ومجموع الأفراد العاملين في الوحدة الإنتاجية نفسها. أما في حال العاملين فهناك شروط عامة تجب مراعاتها عند تطبيق الإدارة الديمقراطية لوسائل الإنتاج وهي:
ـ أن يتمتع العاملون بالوعي الإداري في ميدان الشؤون الإنتاجية الخاصة بتسيير الأعمال وتنظيم العلاقات الإنتاجية الداخلية والخارجية، وهذا يعني كيفية تنظيم الممارسة الديمقراطية في ميدان اختيار العناصر الإدارية أو انتخابهم من بين العاملين أنفسهم. وممارسة أساليب توجيه الإدارة والإشراف عليها ومحاسبتها بطرائق ديمقراطية جماعية.
ـ أن يتوافر لدى العاملين مستوى كاف من الوعي المهني الجماعي والمعرفة الجيدة بشروط الممارسة الجماعية وأساليبها في إدارة وسائل الإنتاج، والمقصود من ذلك هو الإشارة إلى ضرورة تصرف العاملين على أنهم فريق متكامل يحسن توزيع المسؤوليات وتنظيم العلاقات وإعطاء الكفاية وحسن الأداء أهميتها المناسبة، وممارسة المحاسبة حول الالتزامات بصورة جماعية ديمقراطية بعيدة عن التكتلات المصلحية، سواء أكانت أسرية أم قبلية إقليمية أم سواها من الأمراض الاجتماعية.
ـ أن يتمتع العاملون بالخبرة والقدرة على مراعاة مسؤولياتهم الاجتماعية تجاه الشعب والاقتصاد الوطني فلا يغلِّبون مصالحهم الذاتية على مصالح الأطراف الأخرى، وهذا الشرط يتطلب درجة عالية من الوعي والإدراك والشعور العميق بالمسؤولية تجاه المجتمع وتجاه مصلحة الاقتصاد الوطني.
وللإدارة الديمقراطية لوسائل الإنتاج أهدافها الإنسانية وأهدافها الإنتاجية: فعلى الصعيد الإنساني تهدف الإدارة الديمقراطية لوسائل الإنتاج إلى ما يلي:
ـ منح الفرد العامل حق التمتع بحريته في تأكيد ذاته عن طريق المشاركة في تحمل المسؤوليات واتخاذ القرارات، وممارسة حق المحاسبة وحق التصويت ضمن شروط العمل الجماعي والعلاقات الإنتاجية الموضوعية.
وإحلال مبدأ الالتزام الطوعي وإزالة مظاهر الإلزام القسري من العلاقات الإنتاجية، بذلك يُتاح للفرد أن ينمّي شعوره بقيمته الذاتية وكرامته بين زملائه العاملين.
ـ تنمية الشعور بالتضامن والتعاون والحس بالمسؤولية مما يعزز الانتماء الاجتماعي ويخلق الشعور بالاطمئنان النفسي لدى العاملين.
وعلى صعيد الأهداف الإنتاجية تعمل الإدارة الديمقراطية على ما يلي:
ـ أن تتيح للعامل فرص الإبداع والابتكار وذلك بحكم شعور العاملين بمسوؤليتهم في سلامة سير العمليات الإنتاجية، مما يؤدي إلى زيادة الإنتاج وتحسين نوعيته ونقص تكاليفه.
ـ أن تثير حماسة العاملين لتطوير كفاياتهم المهنية في مختلف الأعمال الإنتاجية، مما يؤدي إلى رفع مستوى القدرة على العمل وتطوير المهارات الإنتاجية وحسن الأداء لدى العاملين.
ـ أن تشيع نوعاً من الرقابة الذاتية لدى العاملين فيصبح التلكؤ في الإنجاز أمراً معيباً ومعرضاً للنقد،ويصبح حسن الأداء موضع تقدير من قبل العاملين أنفسهم.
هذه الأهداف، سواء أكانت إنتاجية أم إنسانية، تصب كلها في بوتقة تحسين الإنتاج وزيادته، وهي تخدم أهداف المجتمع وتطلعات جماهير العمال.
وقد حرصت الثورة والحكومة على تنفيذ الإدارة الديمقراطية لوسائل الإنتاج. فسنَّت القوانين والمراسيم التشريعية التي تقضي بتمثيل العاملين والفلاحين في كل المؤسسات والشركات الاقتصادية وقد بدأ التنظيم العملي لإدارة مشروعات القطاع العام الاقتصادي في سورية بإنشاء المؤسسة الاقتصادية وتوالت بعد ذلك النصوص التشريعية الناظمة لهذا القطاع ومنها المرسوم التشريعي ذو الرقم 12 لعام 1967 المتضمن تنظيم الشركات والمنشآت الصناعية في اتحادات صناعية مهنية، ونتيجة للنمو المتزايد لهذا القطاع ظهرت الحاجة إلى تنظيم آخر جديد يحدد القواعد والأطر العامة التي تحكم المؤسسات والشركات العامة وتم ذلك بإصدار المرسوم التشريعي ذي الرقم 18 لعام 1974 المتضمن تنظيم المؤسسات العامة والشركات والمنشآت العامة وقد عرّف هذا المرسوم، وكذلك التعديلات التي صدرت بالمرسوم التشريعي ذي الرقم 1 الصادر بتاريخ 5/1/1981، المؤسسة العامة بأنها شخص اعتباري عام يتمتع بالاستقلال المالي والإداري ويشارك في تنمية الاقتصاد القومي ويمارس عملاً ذا طابع اقتصادي بنشاطه المباشر أو بالإشراف على عدد من الشركات العامة والمنشآت ذات الأغراض المتماثلة أو المتكاملة والتنسيق فيما بينها، وتمارس إدارة المؤسسة الوظائف نفسها التي حُددت سابقاً وهي التخطيط والتنظيم والحفز، أما نشاطاتها فتختلف باختلاف طبيعة نشاط المشروع وإدارتها تأتي منسجمة مع هذا النشاط (إدارة الإنتاج، وإدارة التسويق، والإدارة المالية والمحاسبية) أما الإدارة المالية فقد خصها بالمرسوم 18 وحددها بمادته ذات الرقم 8 قائلاً: «إن الأنظمة المالية والمحاسبية وأنظمة العقود والمبايعات والتكاليف وأنظمة الحوافز المادية وأنظمة المصالحات والتسويات تصدر بمرسوم خاص. أما فيما يتعلق بتكوين رأس مال المؤسسة فإنه يتألف من أنصبة الدولة في رؤوس أموال الشركات العامة وكذلك الأموال التي تخصصها الدولة لهذه المؤسسات وكذلك قيمة الموجودات الثابتة والاستثمارات الخاصة بها والعناصر التي يحددها المرسوم الذي أحدثت بموجبه شركات الدولة ومؤسساتها». ولم يقتصر هذا المرسوم على تكوين رأس المال بل حدد موارد الشركة العامة أو المؤسسة وأوجه استخدامها وإقرار الميزانية الختامية السنوية والحسابات الختامية أيضاً وحساب الأرباح والخسائر.
أما الهيكل الإداري للمؤسسة العامة فيصدر بقرار من الوزير المختص تتحدد فيه اختصاصات الإدارات المعنية، ويتولى إدارة المؤسسة العامة مجلس إدارة ومدير عام حدِّدَت صلاحيات كل منهما بموجب المرسوم التشريعي ذي الرقم 18 لعام 1974. يتمتع مجلس الإدارة بأوسع الصلاحيات في إدارة المؤسسة بما يحقق أهدافها الاقتصادية وتحسين أداء العمل فيها، في حين يتولى المدير العام تنفيذ السياسات والإجراءات والتوصيات التي يقرها مجلس الإدارة، ويمثل المؤسسة تجاه الغير ويمارس دور صاحب العمل إزاء العاملين في المؤسسة من حيث التعيين والتكليف بالمهمات أو النقل باستثناء أمر واحد هو تسمية المديرين التنفيذيين فقد أنيط بالوزير مما يؤلف ضمانة لممارسة مجلس الإدارة مهامه بحرية تامة من دون ارتباط بتوجهات المدير العام وبحيث يكون المدير العام منفذاً لقرارات مجلس الإدارة.
وقد يتبع المؤسسة شركات ومنشآت ووحدات اقتصادية. وعرّف المرسوم التشريعي 18 لعام 1974 الشركة العامة أو المنشأة بأنها شخص اعتباري عام يتمتع بالاستقلال المالي والإداري ويشارك في تنمية الاقتصاد القومي ويتكون من وحدة أو مجموعة وحدات اقتصادية تمارس عملاً زراعياً أو صناعياً أو تجارياً أو مالياً، ويتولى إدارة الشركة أو المنشأة العامة مدير ولجنة إدارية يتوليان المهام نفسها التي يتولاها المدير العام للمؤسسة ومجلس إدارتها ولكن على مستوى الشركة أو المنشأة وتكون الشركة أو المنشأة وهيئاتها الإدارية مسؤولة عن وضع الخطط التنفيذية لتحقيق السياسات وأهداف الإنتاج والتسويق والتصدير والاستثمار والعمالة الريعية والأسعار الموضوعة من قبل المؤسسة العامة. وفي هذا الإطار تُعد المؤسسة جهة وصائية على الشركات والمنشآت التابعة تقوم بمراقبتها وتوجه أعمالها من خلال رسم السياسات والإشراف على تنفيذها.
تعدّ المؤسسات والشركات والمنشآت الخاضعة لأحكام المرسوم التشريعي ذي الرقم 18 لعام 1974 تاجراً في علاقاتها مع الآخرين وتخضع هذه العلاقة لأحكام القانون التجاري مما يؤكد الطابع الاقتصادي التجاري لها على الرغم من كونها قطاعاً عاماً مملوكاً من قبل الدولة ولهذا فهي تطبق محاسبة التكاليف وتلتزم تحقيق أرباح وفرائض اقتصادية توردها إلى الخزينة العامة. وتأكيداً للدور الاجتماعي والاقتصادي الذي تقوم به المؤسسات والشركات والمنشآت العامة في سورية يشارك الحزب والاتحاد العام للعمال في إدارتها ومراقبة أعمالها.
المؤسسة الحزبية ودورها في إدارة الشركة:
تُعد المنظمة الحزبية في نطاق أي مؤسسة الطليعة السياسية لمجموع العاملين في هذه المؤسسة. وتؤلف في كل وحدة إنتاجية (شركة أو مؤسسة) فرقة مهنية يتبع لها الأعضاء العاملون والأنصار في الحزب في مجال عملها.
ومهمة الفرقة الحزبية ممارسة النشاط الحزبي في مجال التنظيم والإسهام في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية للعاملين في الشركة.
ويتجه هذا النشاط نحو نشر الوعي السياسي بين العمال، ومناقشة العاملين في أسلوب العمل وتقويمه، والقيادة السياسية للعاملين وتقويم إسهامهم، وحشد الطاقات من أجل تنفيذ خطة العمل وتأهيل الموظفين. ويكون أمين الفرقة عضواً في لجنة القانون ذي الرقم 2 الخاص بنقل العاملين في الشركة.
اللجنة النقابية ودورها في إدارة المشروع:
قضى المرسوم التشريعي ذو الرقم 84 لعام 1968 أنه عندما يوجد تجمع عمالي في المصنع أو المعمل أو المؤسسة أو الشركة أو الإدارة أو المصلحة الواحدة أو البلدية، يزيد على الخمسين عاملاً، يحدث تنظيم نقابي ينتخب من بين أعضائه بالاقتراع السري لجنة إدارية مؤلفة من خمسة أعضاء تنتخب من بينها رئيساً وتوزع الوظائف النقابية فيما بينها ويَبلَّغ هذا التوزيع إلى مكتب النقابة الذي يبلغه إلى اتحاد عمال المحافظة. وتتمتع اللجنة النقابية بالشخصية الاعتبارية ضمن حدود اختصاصاتها، أما أهليتها لإبرام العقود بسائر أنواعها فتتحدد بصك تفويض من مكتب النقابة ممهور بتوقيع رئيس النقابة وخاتمها على نسختين. وللجنة النقابية الحق بالحصول على غرفة مؤثثة تلتزم إدارة التجمع تقديمها في مركز التجمع ولها لوحة إعلانات من أجل نشاطاتها النقابية والإعلانية. وقد خصص المرسوم 84 وتعديلاته الصادرة بالمرسوم ذي الرقم 30 لعام 1982 اللجنة النقابية بالصلاحيات التالية:
ـ إمداد النقابة بالمعلومات اللازمة عن وضع أداء العاملين ومستويات الأجور والإنتاج وشروط العمل في التجمع وعن نشاطها ونشاط المندوبين ومدى تنفيذهم لخطط العمل ونتائج مشاركتهم في تأدية المهام والاختصاصات النقابية وملاحظاتها على تصرف الجهة المشرفة على إدارة العمل، وتقديم المقترحات لتحسين ظروف العمل والعاملين وزيادة الإنتاج والإنتاجية وتطوير العمل النقابي.
ـ تمثيل العمال في عضوية اللجان والمكاتب التي تؤلف في تجمعها، أما تمثيل العمال في المجلس الإنتاجي ومجلس الإدارة واللجنة الإدارية فيخضع للأنظمة النافذة في هذا الشأن.
ـ الإسهام في حماية الملكية العامة وتنظيم المباريات الإنتاجية والاشتراكية وتثقيف العمال ورعاية مبادراتهم ودعوتهم إلى زيادة الإنتاج والحد من الهدر والوقت الضائع والاستغلال الأمثل للطاقة والمواد والموارد والأدوات.
ـ رعاية العمال ومراقبة اهتماماتهم وتقيدهم بتنفيذ المهام والواجبات وتنمية مواهبهم وتنظيم أوقات فراغهم وإعطاء أهمية خاصة لدور الشباب والنساء.
ـ مراقبة قضايا الصحة والسلامة المهنية والأمن الصناعي وبيئة العمل ومدى تقيد صاحب العمل بشروط عقد العمل وبالالتزامات التأمينية للعاملين وتوفير وسائل الوقاية والمعالجة والإسعاف والكشف الطبي الدوري.
ـ إشراك المندوبين الإضافيين المنتخبين في التجمع لمؤتمر النقابة في النشاطات التي يحددها مكتب النقابة.
منقــول للأمــــــــــــــــــــــــــــانة
أنتظر ردوكـــــــــــــــــــــــــــــــم
ســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلام