السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
التضخم
لا بد عند استخدام مصطلح التضخم التمييز بين تعريفين له. التعريف الأول: يعتبر التضخم، كظاهرة اقتصادية، يتمثل في انخفاض أو تدهور القيمة الشرائية للنقود. وهذا التعريف لا يخرج عن النظرة إلى التضخم كنتيجة حدثت بالفعل لسبب محدد. أما التعريف الثاني: يرّد ظاهرة التضخم إلى ارتفاع الأسعار بشكل مستمر. وعند الأخذ بالتعريف الثاني فإن التضخم كظاهرة يصبح أكثر تعقيداً من التعريف الأول. وفي الحالة الثانية ينصب البحث عادة على العوامل الديناميكية المتغيرة التي تحرك الأسعار باستمرار نحو الأعلى. وحسب هذا المفهوم يرجع التضخم إلى خلل في جهاز الإنتاج وعدم مرونته وكفايته للوفاء باحتياجات المجتمع من السلع والخدمات. ومن ثمّ فهو لا يعبر عن ظاهرة نقدية بحتة كما درجت على ذلك المفهومات الشائعة عن التضخم بقدر ما يعبر عن مجموعة من الاختلالات الهيكلية الكامنة في قطاعات الاقتصاد الوطني.
آلية التضخم
ورأى بعض الباحثين أن العلاقة الديناميكية التي تسبغها النظرية الكمية في النقود على تأثير التغير في كمية النقود على مستوى الأسعار ليست بهذا الشكل البسيط الذي تصوره النظرية. فمن الجائز أن ترتفع الأسعار لأسباب لا دخل فيها لتغيير كمية النقود. كما أن التغيرات التي تعزو إليها النظرية في تفسير آلية التضخم وهي كميةالنقود وسرعة تداولها أو الطلب عليها وحجم الإنتاج ليست مستقلة بعضها عن بعض. ومن ناحية يشير بعضهم عند تفسير آلية التضخم إلى أنه من الثابت أن التغير في المستوى العام للأسعار كثيراً ما يؤثر في كمية النقود، ذلك أن حركات الأسعار نفسها كثيراً ما تسبّب تغيرات في العوامل النقدية. فارتفاع الأسعار، ولاسيما إذا كان كبيراً، من شأنه أن يؤدي في بادئ الأمر إلى زيادة سرعة تداول النقود ثم إلى زيادة كمية النقود في نهاية الأمر.
ولكن بعد ظهور نظريات جديدة لم تعد النظرية الكمية مقبولة لتفسير آلية التضخم. وكان توسع الحكومات في إصدار النقود، واتباع سياسة النقود الرخيصة في غمار الحروب وما اقترنت به من موجات محسوسة من التضخم، من الذرائع الأساسية التي ركن إليها أنصار النظرية الكمية في تحليل آلية التضخم.
ومهما تكن الأسباب التي تركن إليها النظريات والمدارس في تفسير آلية التضخم فإن آلية التضخم لا تأخذ منحى واحداً في الواقع العملي. فهي تختلف من بلد إلى آخر حسب مستوى التطور الاقتصادي ـ الاجتماعي والتركيب الهيكلي للاقتصاد الوطني.
أسباب التضخم
هناك تباين عميق في تحديد الأسباب التي تحكم هذه الظاهرة، أو العوامل المؤدية لها. ويمكن اعتبار النظرية الكمية في النقود أولى النظريات التي حاولت معرفة أسباب التضخم والآلية التي تحدد المستوى العام للأسعار والتقلبات التي تحدث على هذا المستوى.
مقابل ذلك هناك صورة أخرى لتفسير ظاهرة التضخم وتحديد أسبابها نجدها في «معادلة كامبردج» وفي إطار نظرية كمية النقود. اعتمد أصحاب هذه المعادلة في هذا التفسير على فكرة الطلب على النقود المتمثل بحجم الأرصدة النقدية التي يرغب الأفراد بالاحتفاظ بها لأغراض المبادلات. بمعنى آخر حجم النقود التي يحتفظ بها الأفراد في المدة بين حصولهم على النقود وبين تاريخ إنفاقها، ويتحقق التوازن النقدي حين تكون الكمية المطلوبة من النقود مساوية لكمية المعروض منها. بحيث يصير المستوى العام للأسعار في هذه الحالة مستقراً لا وجود فيها للتضخم.
في بداية نشاطه الفكري كان كينز يعد من أنصار المدرسة الكلاسيكية الحديثة. وكان متأثراً على وجه الخصوص بأفكار (فيكس وهايك وغيرهما)م من يرون في النقد وسيلة للتداول. من ثمّ فإن أسباب التضخم تعود بالدرجة الأولى إلى كمية النقود المعروضة لتحقيق المبادلات السلعية. وعلى أن كينز كان يرى في النقد مخزناً للقيمة بالإضافة إلى وظيفته كوسيلة للتبادل، بقي تحليله كتطورات محدودة للدلالة على المفهومات الخاصة بمعادلة كامبردج.أي معادلة الأرصدة النقدية التي رغب الأفراد الاحتفاظ بها للمبادلات بالإضافة إلى مفهوم سرعة دوران النقد.
في إطار هذه التطويرات تظهر البدايات الأولى لتحليل كينز عن دور الدخل والإنفاق في ضوء العلاقة بين النقود وسعر الفائدة والاستثمار والادخار والمستوى العام للأسعار. وبذلك خرج كينز في تحليله عن إطار النظرية الكمية للنقود ولم يعد يبحث عن تأثير النقود على الأسعار في إطار كمي كما ذهبت إلى ذلك النظرية الكمية للنقود. وإنما من خلال معرفة تأثير التغير في كمية النقود على سعر الفائدة وتأثير هذا السعر على الاستثمار. أو بمعنى آخر فقد استخدم كينز مجموعة من المعادلات التي تنحصر غايتها ودلالتها في تصوير العلاقة بين الدخل القومي والاستهلاك والاستثمار والأسعار والتكاليف والإنتاجية. ولتفسير ذلك فإن التوسع في كمية النقود يؤدي إلى انخفاض سعر الفائدة وهذا يؤدي إلى اختلال بين الاستثمار والادخار إذ حجم الاستثمار أكبر من حجم الادخار. والنتيجة الطبيعية لذلك تحقيق المستثمرين أرباحاً غير عادية تدفع المستثمرين إلى المزيد من الاستثمار الذي يموَّل عن طريق الائتمان المصرفي. وفي حالة افتراض التشغيل الكامل فإن زيادة الطلب على عوامل الإنتاج لابد أن تؤدي إلى زيادة تكلفة الوحدة المنتجة وارتفاع سعرها. أو بمعنى آخر ارتفاع المستوى العام للأسعار. وفي الحقيقة فإن ما توصل إليه كينز في بداياته لم يكن سوى ترديدٍ لأفكار فيكسل الذي كان له فضل السبق في دراسة أثر الفائدة على العلاقة بين الاستثمار والادخار والمستوى العام للأسعار.
إلا أن كتاب كينز في التشغيل والفائدة والنقود لعام 1936 شكل ثورة ضد الفكر الكلاسيكي. وفيما يتعلق بالتضخم يستند تحليل كينز على التقلبات في الإنفاق القومي (المكوّن من الاستهلاك والاستثمار والإنفاق الحكومي) باعتباره المحدد الرئيس لمستوى الأسعار والتشغيل مستعيناً في ذلك بأدوات تحليلية جديدة كالمضاعف multipleir، والمعجل accelerator، وذلك بدلاً من التقلبات التي تحدث في كمية النقود. والأدوات التي استخدمها كينز تتبلور في النهاية في التفاعل بين قوى الطلب الكلي وحالة ما بعد الوصول إلى مستوى التشغيل الكامل.
في الحالة الأولى قبل الوصول إلى حالة التشغيل الكامل أو الاستغلال الكامل للطاقات الإنتاجية فإن زيادة الطلب الكلي وخاصة الطلب على عوامل الإنتاج، تؤدي عادة إلى زيادة عرض السلع والخدمات وزيادة حركة المبيعات وتحقيق أرباح غير عادية. الأمر الذي يدفع بالمستثمرين إلى زيادة تشغيل الطاقات الإنتاجية والأيدي العاملة مما يؤدي إلى ظهور بداية الاتجاهات التضخمية قبل الوصول إلى حالة التشغيل الكامل. ويطلق على هذه الاتجاهات التضخم الجزئي partiel نتيجة نقص بعض عوامل الإنتاج يترافق مع زيادة الطلب عليها أو بسبب الضغط النقابي لرفع الأجور بمعدلات لا تتناسب مع معدل زيادة الإنتاجية أو نتيجة للميول الاحتكارية لتحقيق أرباح غير عادية.
في الحالة الثانية أي حالة التشغيل الكامل فإن زيادة الطلب الفعّال لا تقابلها زيادة في العرض (مرونة العرض صفر). ويأتي التضخم في هذه الحالة نتيجة زيادة حجمالطلب الكلي عن حجم العرض الكلي زيادة محسوسة ومن ثمّ ظهور ارتفاعات مفاجئة في الأسعار. أي إن التضخم يظهر نتيجة وجود فائض في الطلب excess demand يفوق الطاقات الإنتاجية. أو بكلمة أخرى فإن التضخم يظهر نتيجة زيادة في الطلب على السلع الاستهلاكية وعوامل الإنتاج عن المعروض منها بحيث تتشكل الفجوة التضخميةinflation gap.
والواقع أنّ الطريقة الكينزية في تحليل أسباب التضخم ترجع إلى الاقتصادي فيكسل Wicksell الذي كان أول من نقد المفهوم الكلاسيكي للتضخم، الذي ينسبه إلى الزيادة في عرض النقود. وقد وجد تحليل فيكسل الذي بُنيَ على الزيادة في الطلب الفعال تأكيداً له في النظرية العامة لكينز. ومع ذلك هناك فرق جوهري بين تحليل فيكسل والتحليل الكينزي. فقد ركزت المدرسة الكينزية أضواءها على الزيادة التي تحدث في الطلب على السلع الاستهلاكية وعوامل الإنتاج مفترضة في ذلك أن عدم التوازن الذي يطرأ على أسواق السلع الاستهلاكية يظهر أثره مباشرة على التوازن في أسواق عوامل الإنتاج وعلى الأخص سوق العمل. أما فيكسل فقد بنى تحليله في التضخم على أساس الزيادة التي تحدث في الطلب على السلع الاستهلاكية وتجاهل تأثير الزيادة التي تحدث في الطلب على عوامل الإنتاج.
في أعقاب الحرب العالمية الثانية توسعت البحوث والدراسات حول تشخيص أسباب التضخم. وكان معظم الاتجاهات الجديدة خلال هذه الفترة خليطاً من أفكار النظرية الكمية والنظرية الكينزية. ومن هذه الدراسات تلك التي قام بها أنصار كينز ومحاولاتهم إدخال التحليل الحركي الديناميكي على النظرية الكينزية عن طريق استخدام المعادلات التفاضلية differencial equations لتحديد الأسباب والعوامل التي تحدد سرعة تطور أو ثبات الفجوة التضخمية. على أن أهم هذه التجديدات وأخصها هو التجديد الذي أدخلته «المدرسة السويدية الحديثة»، ويمثلها (ليندبرغ Lundberg، ليندال Lindhal)، التي تبلورت في أعقاب سنة 1930 أي في خضم موجات البطالة والكساد. وما يميز هذه المدرسة هي أنها تجعل للتوقعات expectations أهمية خاصة في التحليل النقدي للتضخم. وخلافاً للنظرية الكينزية ترى المدرسة السويدية أن العلاقة بينالطلب الكلي والعرض الكلي لا تتوقف فحسب على مستوى الدخل، كما ترى النظرية الكينزية، بل وعلى خطط الإنفاق القومي من جهة، وخطط الإنتاج القومي من جهة أخرى، أو بعبارة أخرى تتوقف على العلاقة بين خطط الاستثمار وخطط الادخار. وترى هذه النظرية أن ليس هناك من سبب يدعو للاعتقاد بأن الاستثمار المخطط يساويالادخار المتحقق (إلا في حالة التوازن). لأن رغبات المستثمرين ودوافعهم تختلف عن دوافع المدخرين. ومن ثمّ يؤدي عدم التساوي بين الادخار المخطط (أو المتوقع) والاستثمار المخطط (أو المتوقع) إلى تقلبات في المستوى العام للأسعار. ففي حالة زيادة الاستثمار المخطط عن الادخار المخطط فإن ذلك يعني أن الطلب أكبر من العرض ويؤدي ذلك بالتالي إلى ارتفاع مستوى الأسعار، وعلى هذا فإن الاختلاف بين الادخار المخطط (أو الاستثمار المخطط) والاستثمار الفعلي (الاستثمار المتحقق) ينعكس في وجود فجوة (فائض طلب) في أسواق السلع الاستهلاكية، وفجوة أخرى (فائض طلب) في أسواق عوامل الإنتاج إلى جانب وجود دخول غير عادية يحققها المنتجون نتيجة ارتفاع الأسعار. والخلاصة فإن صلب تفكير المدرسة السويدية الحديثة في التضخم هو التفكير الذي يعطي أهمية محورية للتوقعات في تفسير الفجوة التضخمية. وعموماً فإن هذه المدرسة تدخل في تحليلها السوقين النقدي والمالي.
منذ عقود قليلة أخذت مجموعة واسعة من الاقتصاديين تتبنى النظرية الكمية للنقود باعتبارها دليلاً نظرياً لتفسير أسباب التضخم. وكان أشهر من تولى الدفاع عن هذه النظرية وإعادة صياغتها من جديد هم ميلتون فريدمان وأنصار مدرسة شيكاغو. على أن الإرهاصات الفكرية الأولى للأنصار الجدد لنظرية كمية النقود كانت قد بدأت منذ منتصف الخمسينات من هذا القرن واكتمل نضجها ووضحت قسماتها الرئيسية في الستينات. إلا أن أفكار هذه المجموعة من الاقتصاديين وعلى رأسهم ميلتون فريدمان قد راجت في السبعينات واكتسبت مزيداً من الأنصار الذين يعرفون باسم النقديين. والحقيقة أنه في ظل التطورات المستجدة يمكن فهم مبررات العودة إلى النظرية الكمية للنقود وسر الرواج الذي تتمتع به هذه النظرية في صورتها الكمية.
في ظل الانتكاسة التي منيت بها النظرية الكينزية وما انطوت عليه من سياسات كانت أفكار مدرسة شيكاغو تنتشر في هذا الجو الملائم وتعلن عدم وجود علاقة على المدى الطويل بين التضخم والبطالة. وإن التضخم ظاهرة نقدية بحتة وليس له صلة بظاهرة ارتفاع الأجور ونضال العمال. فالسبب الرئيس للتضخم إذاً هو نموالنقود بسرعة أكبر من نمو حجم الإنتاج.
وحسب النظرية المعاصرة وبالنسبة للعلاقة بين متوسط الرصيد النقدي بالنسبة لوحدة الإنتاج ومستوى الأسعار يجب عدم المغالاة في تبسيطها أو فهمها على نحو ميكاجنسي. ذلك أن عاملين أساسيين يؤثران في هذه العلاقة وهما:
1ـ التغير في حجم الإنتاج.
2ـ كمية النقود التي يرغب الأفراد الاحتفاظ بها.
أنواع التضخم
1ـ التضخم الزاحف greeping inflation: نصادف هذا النوع في البلدان الصناعية المتقدمة ذات الهياكل الإنتاجية المتطورة. ويتجلى هذا النوع من التضخم بارتفاع طفيف في أسعار السلع والخدمات نتيجة لقدرة الجهاز الإنتاجي المتطور على الاستجابة لمتطلبات الطلب الكلي في السوق. ويكون هذا النوع من التضخم ذا تأثير ضعيف على المستهلكين في البداية. ومع مرور الزمن ونتيجة لتراكم معدلات التضخم خلال سنوات يبدأ المستهلكون يشعرون بثقله. خاصة إذا تزامن ذلك مع سياسة تجميد الأجور. وفي هذه الحالة يحاول أصحاب الدخل المحدود مقاومة التضخم الزاحف بأساليب مختلفة من أهمها الأسلوب النقابي إلى درجة قد تصل إلى صراع مكشوف بين ذوي الدخل المحدود وأصحاب رؤوس الأموال يحاول فيها الطرف الأول رفع الأجور لتعويض الارتفاع في تكاليف المعيشة الناجم عن التضخم.
2ـ التضخم المكبوت suppressed inflation: يظهر في البلدان ذات التخطيط المركزي التي تتبع سياسة تدخلية في النشاط الاقتصادي من شأنها التأثير على قوى العرض والطلب في السوق. وذلك في محاولة منها للحد من الآثار الاجتماعية للتضخم. وتتجلى سياسة الدولة في هذا المجال في تحديد ـ تجميد الأسعار من جهة والرواتب والأجور من جهة أخرى. وعادة ما تتبع الدولة سياسة الدعم الحكومي للأسعار أو سياسة تحديد سعر الصرف للحد من ارتفاع تكاليف بعض عناصر الإنتاج المستوردة. ومن بين السياسات أيضاً التي تلجأ إليها الدولة تقديم إعانات للمؤسسات الإنتاجية أو تخفيض الرسوم الجمركية أو الغاؤها عن بعض الواردات.
3ـ التضخم الجامح hyper inflation: يظهر هذا النوع من التضخم بوضوح في البلدان التي تتسم باختلال في هياكلها الإنتاجية وفقدان التوازن والتناسب في معدلات النمو بين القطاعات الاقتصادية. وهذا النوع من التضخم غالباً ما يصيب البلدان النامية التي تضع خططاً تنموية طموحة لا تتناسب مع مواردها الاقتصادية والمالية، مما يضطرها إلى زيادة الإصدار النقدي والائتمان المصرفي لتشجيع الاستثمار مما يؤدي إلى زيادة الطلب على عوامل الإنتاج ومن ثمّ ارتفاع الأسعار وتكلفة الإنتاج. ومن ناحية أخرى فإن زيادة الطلب على السلع الاستهلاكية لتلبية الحاجات الفردية المتنامية تسهم في ظهور التضخم الجامح الذي يتجلى بتزايد أو ارتفاع معدلاته وبوتائر سريعة. وبسبب ضعف الجهاز الإنتاجي وتنامي الإصدار النقدي بمعدلات تتجاوز معدلات نمو الإنتاج فإن القيمة الشرائية للنقود تتجه إلى الانخفاض بشكل جامح أحياناً مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف المعيشة لفئات واسعة من المجتمع. مما يساعد في حدوث ذلك ضعف التنظيم النقابي وغياب قوانين الحماية الاجتماعية ضد البطالة والتهميش الاجتماعي.
نتائج التضخم
ينجم عن التضخم نتائج خطيرة أحياناً ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية وسياسية. فمن النتائج الاقتصادية التي يمكن أن تؤثر على تطور الاقتصاد الوطني وتشويه بنيته يتجلى أحياناً في انخفاض معدل النمو الحقيقي للاقتصاد رغم الزيادة الاسمية القيمية في حجم الاستثمار. ذلك أنّ زيادة تكلفة الاستثمار نتيجة ارتفاع الأسعار قد تدفع بالمستثمرين إلى العزوف عن الاستثمارات الكبيرة والتوجه نحو الاستثمارات الهامشية ذات التكلفة القليلة والربحية العالية مثل أعمال المضاربة وغيرها من الأعمال غير المنتجة وما ينجم عن ذلك من عثرات في عملية التنمية وتقدم المجتمع وتعميق حالة التخلف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
ومن النتائج الاقتصادية للتضخم انخفاض قيمة العملة الوطنية بحيث يفقد النقد وظيفته كمقياس للقيمة وحافظ للثروة ومحفز للادخار، مما يؤثر ذلك سلبياً على عملية الاستثمار، ومن ثمّ التوسع في عملية الإنتاج الاجتماعي. فضلاً عن أن انخفاض قيمة العملة الوطنية تجاه العملات الأجنبية يؤدي إلى تشويه العلاقات الاقتصادية والنقدية مع العالم الخارجي، ويترك بصماته السيئة على ميزان المدفوعات، وازدياد معدل الاعتماد على الديون الخارجية، وتعميق علاقات التبعية إلى السوق العالمية، والوقوع تحت سيطرة الاحتكارات الأجنبية.
في العديد من الحالات تكون النتائج الاجتماعية أكثر خطورة من النتائج الاقتصادية للتضخم وما يتبع ذلك من مخاطر على الاستقرار السياسي. من النتائج الاجتماعية الخلل الذي يصيب البنية الاجتماعية نتيجة إعادة توزيع الدخل القومي لصالح الفئات الغنية في المجتمع بفعل آلية التضخم، إضافة إلى انخفاض المستوى الاستهلاكي لدى فئات الدخل المحدود الذين يشكلون غالبية السكان، وما يرافق ذلك من انخفاض في معدلات الطلب على السلع الاستهلاكية حتّى يصبح فيها الركود الاقتصاديمهدداً للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
مكافحة التضخم
جميع النظريات والمذاهب الاقتصادية التي تناولت بالبحث موضوع التضخم تضمنت بعض المقترحات الخاصة بمكافحة التضخم. وبهذا الخصوص إننا إزاء مدرستين على طرفي نقيض تعرضتا إلى مسألة مكافحة التضخم من زاوية تختلف كل منهما عن الأخرى. الأولى ترى في التضخم ظاهرة نقدية بحتة ومن ثمّ فإن علاجها ينحصر في الوسائل المالية والنقدية. والمدرسة الثانية ترى في التضخم ظاهرة خلل اقتصادي واجتماعي، ومن ثمّ فإن علاجها لن يتأتَّ إلا من خلال تغيير البنيان الاقتصادي والاجتماعي المولد لهذه الظاهرة، أو بكلمة أخرى فإن الهيكلين يخلصون إلى نتيجة هامة فحواها: أن التغلب على الأسباب الهيكلية للتضخم لن يتأت عن طريق خفض الإنفاق العام بهدف الحد من كمية النقود، وإنما عن طريق زيادة كفاءة الجهاز الإنتاجي، وعن طريق تطبيق سياسة مالية فعالة في نفس الوقت، تؤدي إلى تشجيع الادخاروزيادة الاستثمار وتنعكس في النهاية في تصحيح البنية الاقتصادية والاجتماعية. ومن ناحية أخرى فإن النظرية النقدية بمختلف تياراتها والنظرية الكينزية تعطي للسياسة النقدية والمالية أهمية ارتكازية في مكافحة التضخم. وترى هذه السياسة على درجة كبيرة من الأهمية لتحقيق النمو الاقتصادي مع الاستقرار السوي، إذ إنَّ التقلبات النقدية المفاجئة والعميقة تضر بأحوال النمو والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
منقــول للأمــــــــــــــــــــــــــــانة
أنتظر ردوكـــــــــــــــــــــــــــــــم
ســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلام