السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
البطالة
البطالة Unemployement ظاهرة معقدة، وتعريفها وتحديدها يساعدان على تفهم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية الخاصة بها.
تعزى البطالة إلى أسباب كثيرة، ومن ثم اختلفت التعريفات باختلاف الجهات المعنية بهذه الظاهرة. وقد أوصى المؤتمر الدولي الثامن لإحصائيي العمل بالتعريف الآتي للبطالة:
«الأشخاص الذين هم في حالة بطالة يتكونون من الأشخاص الذين فوق سن معينة، وفي يوم معين أو أسبوع معين، يدخلون في أحد الأنماط الآتية:
أ ـ العمال الراغبون في العمل الذين انتهت عقودهم، أو أوقفت مؤقتاً وأصبحوا من دون وظائف، ويبحثون عن العمل لقاء أجر أو ربح.
ب ـ الأشخاص الراغبون في العمل باستثناء المصابين بوعكات بسيطة في مدة معينة، ويبحثون عن العمل لقاء أجر أو ربح من الذين لم يسبق لهم العمل، أو تكون مهاراتهم العملية دون مستوى العاملين.
ج ـ الذين لم يظفروا بعد بوظائف، وإن كانوا قد أعدوا الترتيبات للبدء في وظائف جديدة في المستقبل.
د ـ الأشخاص الذين تكون أعمالهم في حالة توقف وقتي أو غير محدود من دون أجر».
إن هذا التعريف يكشف بعداً واحداً للبطالة، ولا يتناول البعد الآخر للتعطل في أوساط المشتغلين، وهو الذي اصطلح على تسميته بالبطالة الجزئية المنتشرة في البلدان النامية. لذلك اقترح المؤتمر التاسع لإحصائيي العمل التعريف الآتي للبطالة الجزئية:
«توجد البطالة الجزئية عندما يرغب الأشخاص الذين لا يعملون كل الوقت في أداء عمل أكثر مما يؤدونه بالفعل ويكونون قادرين على ذلك، أو عندما يمكن زيادة دخل العاملين وإنتاجيتهم لو حُسّنت أحوال عملهم أو حسن إنتاجهم أو نقلوا إلى مهن أخرى تُلحظ فيها مهاراتهم الفنية».
المنظور التاريخي
البطالة بوصفها ظاهرة اجتماعية خطرة برزت منذ عصر الثورة الصناعية التي انتشرت في الثلث الأخير من القرن الثامن عشر، في إنكلترة، وبعد ذلك بقليل في دول البر الأوربي ودول أمريكة الشمالية. لقد أحدثت الثورة الصناعية تحولاً جذرياً في الإنتاج، إذ انتقلت العمليات الإنتاجية التي كانت تتم يدوياً إلى الآلة. ومنذ ذلك التاريخ بدأ يتكون جيش من العاطلين عن العمل.
مسّ انتشار الآلة قبل كل شيء، الحرفيين والصناع المهنيين وعمال الصناعة المنزلية، ففقد هؤلاء شيئاً فشيئاً ورشاتهم بأدواتها البسيطة تحت ضغط المزاحمة المتزايدة من جانب المؤسسات الممكننة، وأصبحوا بلا مورد رزق، وتحولوا إلى عمال مصانع أو انضموا إلى جيش العمل الاحتياطي المتزايد العدد.
ومع تسرب الرأسمالية إلى الزراعة أيضاً، فقد المزارعون الصلة بملكية وسائل الإنتاج، وأرغموا، إما على التحول إلى عمال زراعيين مأجورين، وإما على مغادرة أماكنهم المألوفة والذهاب إلى المدينة، والعمل بالأجرة في مختلف المؤسسات والمشروعات، ومع ذلك يظل قسم منهم في عداد جيش العاطلين عن العمل.
وقد تكيف حجم البطالة في المراحل اللاحقة لتطور الاقتصاد الرأسمالي إلى حد كبير مع الدورات الاقتصادية[ر]. وهكذا يتطور الإنتاج الرأسمالي، لا بالانسجام، بل بتقلبات فجائية يترتب عليها، ولاسيما في مرحلة الأزمة، تبديد الموارد الإنتاجية للمجتمع تبديداً يتمثل في تعطيل جزء كبير من الأيدي العاملة وأدوات الإنتاج. ففي أثناء الأزمة الاقتصادية الكبرى 1929-1932م وهي أقسى أزمة شهدها الاقتصاد الرأسمالي، بلغت نسبة المتعطلين عن العمل فيها (22%) من القوى العاملة المسجلة في بريطانية و(27%) في الولايات المتحدة الأمريكية. وقد أدت التطورات اللاحقة في بنية الأنظمة الرأسمالية إلى تجديد نفسها واستطاعت بذلك تفادي الأزمات الدورية باستخدام آليات متعددة.
كذلك في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية عانى الاقتصاد الرأسمالي وطأة الأزمة الاقتصادية مرات عدة. وفي المرحلة الراهنة يعاني الاقتصاد الرأسمالي كساداً تضخمياً Stagnation، وقد طبعت هذه المرحلة الاقتصاديات الرأسمالية بطابعها المتميز، حيث الكساد يرافقه التضخم، ويقوي الميل إلى الاحتفاظ بحدود معينة من البطالة التي تسهل على المستثمرين تأخير ارتفاع معدلات الأجور بحجة أن انخفاض ريعية الإنتاج يضطرها إلى تقليص العمالة وتجميد الأجور، ومِنْ ثَمَّ لا يمكن فصل مشكلة البطالة عن مشكلة التضخم.
وستظل المشكلة الرئيسية أمام الاقتصاديين الرأسماليين المعاصرين، كما قال الاقتصادي بول سام ولسون، «تكمن في إيجاد ذلك التوافق المفقود في اقتصاد بلد ما بين العمالة الكاملة واستقرار الأسعار». ويرى الكثير من الاقتصاديين الغربيين ومنهم كالدور، وهانسن، وسيمويلسن، وفينتر أوب، وجوان روبنسون وآخرون، أن التضخمأكثر الوسائل صلاحية للحفاظ على التوازن بين الأجور والأرباح الذي يلبي بوجه «نموذجي» حاجات الاستثمار والنمو.
اقتصاد البطالة
يؤخذ اقتصاد البطالة فعلياً من اقتصاد العمالة؛ فلكي تكون العمالة الكاملة هدفاً عملياً يمكن إدراكه، يجب أن تُعرَّف البطالة أو اللاعمالة Non-employment. ويقدم اقتصاد البطالة هذه المعرفة من اهتماماته الرئيسية الآتية تعداداً فحسب:
1 ـ رصد مستويات البطالة واتجاهاتها.
2 ـ بحث مشكلات العمالة ومستوى النشاط الاقتصادي.
3 ـ بحث المشكلات الهيكلية للعمالة، التي تنجم عن اختلاف الحاجات كما تتجلى في طلب السوق أو مخططات الإنتاج، أو نوع آخر من الطلب يحدثه التغيير في الأداء التقني.
4 ـ بحث مشكلات البطالة التي يرافقها التخلف الاقتصادي.
5 ـ وضع المبادئ العامة لسياسة العمالة والقضاء على البطالة.
أنواع البطالة: للبطالة أنواع، هي تعداداً:
1 ـ البطالة المزمنة Chronical Unemployment
2 ـ البطالة التقنية Technological Unemployment
3 ـ البطالة الاحتكاكية Frictional Unemployment
4 ـ البطالة المرتبطة بالتخلف الاقتصادي: (أو البطالة البنيانية)
التقنية والبطالة
تعود التغيرات الهيكلية المهمة في النظام الاقتصادي في الوقت الحاضر إلى التغيير في فنية الأداء التقني، وبوجه أخص الأداء التلقائي (أو الذاتي التوجيه). فالأداء التلقائي يتطلب الاستخدام المضاعف للآلات التي تقوم بالإنتاج وتلك التي تقوم بالمراقبة control، وكذلك التي تقوم بالعملية الحسابية، وهو موالفة تؤدي إلى توفير كبير في العمل، وعادة ما تقترن بزيادة في الكفاية المثلى للإنتاج.
ومن زاوية العمالة، فإن النتيجة الرئيسية للتغيرات في فنية الأداء التقني هي إعادة توزيع العمل، وعادة ما يصبح العمال في وظائف معينة فائضين، وإن لم يفقدوا في بعض الحالات فرصة البقاء في مهنهم القديمة إذا قبلوا الانتقال من المنشأة أو مواصلة العمل فيها نفسها، أو على الأقل، فرصة البقاء في المكان الذي يعيشون فيه إذا قبلوا تغيير مهنهم.
والظاهرة الطاغية في البلدان الرأسمالية هي أن التغيير التقني، لا يزيل بذاته الأزمات الاقتصادية الدورية والبطالة الواسعة، بل على العكس من ذلك، فإن التقدم التقني يزيد من حدة هذه المشكلات. ومن ثم فإن أحدث وسائل الأداء التلقائي تزيد من حدة هذه المشكلات الاجتماعية التقليدية، وتخلق معضلات جديدة. ففي ظل الرأسمالية، يتحول الأداء التلقائي، الذي هو وسيلة توفير العمل، إلى وسيلة لإبعاد العمال عن عملية الإنتاج، إضافة إلى أنه كلما تحسنت التجهيزات الآلية وتطورت آلية الإدارة، شملت البطالة فئات متزايدة لا من العمال فحسب، بل ومن المستخدَمين الآخرين.
والتغيير التقني لا يثير أي معضلة اجتماعية في البلدان الاشتراكية، مادام يستمر في مختلف فروع الإنتاج والخدمات وفق خطط مقررة لتطور قطاعات الاقتصاد الوطني جميعها، بل ويغدو التقدم التقني وسيلة فعالة لزيادة الثروة الاجتماعية من أجل رفع مستوى حياة الشعب باستمرار. ففي المجتمع الاشتراكي يستجيب الأداء التلقائي في عمليات الإنتاج لمصالح العمال الحيوية، ويسهل عمل الملايين من الناس، ويزيد إنتاجية العمل، ويوفر الشروط الضرورية لتخفيض ساعات العمل في اليوم وتقليص الفوارق الجوهرية بين العمل الفكري والعمل اليدوي.
الأساليب الاقتصادية والاجتماعية لمواجهة البطالة
تختلف أساليب معالجة مشكلات البطالة من مجتمع إلى آخر باختلاف درجة تطوره الاقتصادي وتقدمه الاجتماعي. ومن ثم تصنف السياسات في هذا المجال وفق مجموعاتٍ ثلاث: الدول الرأسمالية المتقدمة صناعياً، والدول النامية، والدول الاشتراكية.
1ـ سياسة الدول الرأسمالية المتقدمة صناعياً: تتمثل هذه السياسة بخطوطها العريضة في ما يأتي:
ـ بذل الجهود لمواجهة التقلبات الموسمية بالإجراءات التي توزع الناتج على مدى العام أو تحسن توقيته.
ـ تقليل مدى التقلبات على الطلب العام باتخاذ جملة من الإجراءات، منها زيادة الإنفاق الحكومي.
ـ التأثير في النشاط الاقتصادي من خلال الإجراءات النقدية والمالية.
ـ إعادة تنظيم هيكل التعليم والتأهيل من أجل تزويد الأيدي العاملة بالمعلومات اللازمة لاكتساب الخبرة العملية الضرورية.
ـ تسهيل حرية تنقل الأيدي العاملة، والتشجيع على ذلك في وقت الأزمات.
ـ تجميد الأجور وضغط تعويضات البطالة اعتماداً على آلية الأسعار والتضخم النقدي.
2ـ سياسة الدول النامية: تتحدد الاتجاهات العامة لسياسة البلدان النامية لمواجهة مشكلة البطالة بما يأتي:
ـ إيجاد العمالة في القطاع الحديث.
ـ الاستخدام الأكمل للطاقات الاقتصادية القائمة
ـ مساعدة الصناعات الصغيرة.
ـ النهضة بالعمالة في القطاع التقليدي.
ـ الإصلاح الزراعي.
3ـ سياسة الدول الاشتراكية: يقوم النظام الاشتراكي على أساس الملكية الجماعية لوسائل الإنتاج الأساسية وتحويل الزراعة على قاعدة التعاون الإنتاجي مما يشكل الأساس الموضوعي لتطوير الاقتصاد تطويراً منهاجياً على أساس الخطط التي تقرها الدولة. وتتكون مهام خطة الدولة للعمالة انطلاقاً من مبادئ منهجية معينة، من شأنها وضع أساس للتطور المنتظم للإنتاج، وتشغيل قوة العمل، والزيادة المطردة في رفاهية السكان.
إن مسائل العمالة على اختلافها، ومع تنوع أحوالها، وتعدد الدول الاشتراكية التي تظهر فيها، تتميز طريقة معالجتها بخصائص مشتركة أهمها:
ـ تخطيط استخدام القوى العاملة بما يضمن تشغيلها الكامل وفق الأهداف المحددة في الخطة العامة للدولة وهذا يعد أحد الجوانب الأساسية للتوازن في الخطة.
ـ تخطيط الاحتياجات المستقبلية للقوى العاملة لكل من قطاعات الاقتصاد الوطني، وهذا هو جانب الطلب على القوى العاملة.
ـ تخطيط الالتزامات الملقاة على عاتق المؤسسات التعليمية والتدريبية والثقافية في الخطة وهذا هو جانب العرض على القوى العاملة.
لكن كل ما تقدم، لم يفلح في القضاء على البطالة الحقيقية بل أوجد ما يمكن تسميته البطالة المقنّعة، أي استخدام العمال لدى مؤسسات الدولة وهي غالباً ما تكون غير رابحة خاصة إن لم يحسن إدارتها. ولعل هذا كان أكثر ما لوحظ عند انهيار الاتحاد السوفييتي ودول المنظومة الاشتراكية في مطلع التسعينات من القرن العشرين.
أوضاع العاطلين عن العمل في المجتمع
البطالة آفة اجتماعية خطيرة أفرزها تطور الرأسمالية، وهي تنغص حياة عشرات الملايين من الناس في العالم، وتجلب لهم الإخفاق والعجز والتعاسة والفاقة والمشقات القاسية. وقد وصلت البطالة في عدد من البلدان النامية إلى حد العوز والمجاعة وإضاعة الملايين من الشباب لأفضل سني حياتهم دون فائدة.
كانت التقنية المعاصرة إحدى القوى الرئيسية التي صاغت العالم الذي نعيش فيه، فحملت إليه خيرات جمة تتمثل في تشكيلة واسعة من السلع والخدمات والوسائل الترفيهية والثقافية، ولكن الرأسمالية جعلت منها مصدراً آخر لزيادة جيش العاطلين عن العمل في أنحاء المعمورة التي ما تزال مهيمنة عليها. وهذا الجيش التعس حث العوامل المساعدة على زيادة حدة المشكلات الاجتماعية الأخرى كالإدمان على تناول المخدرات واللصوصية والدعارة وتخريب الأسرة والانتقاص من قيم العمل وغيرها.
ويفتش الملايين من العاطلين عن العمل في كثير من البلدان النامية عن قارب نجاة، فلا يجدونه إلا بالهجرة والغربة.
ومن الهجرات المعروفة في الوقت الحاضر: الهجرة الجسيمة إلى أسترالية وكندا، وهجرة الهنود والباكستانيين إلى بريطانية وأمريكة، وحركات هجرة العمال الأفارقة إلى فرنسة، وتشغيل المكسيكيين في الولايات المتحدة الأمريكية. بيد أن هذه الهجرات لم تنجح في إيجاد الحلول المطلوبة، وإنما أسهمت في توليد نتائج متناقضة. فهي من جانب، مثلت اقتطاعات من الموارد الاقتصادية للبلدان المصدرة، وقد تكون هذه الاقتطاعات هامة للغاية عندما تكون الكثرة من المهاجرين من العلماء والاختصاصيين والعمال المهرة، ومن جانب آخر، ولدت زيادة في الموارد الاقتصادية للبلدان المستضيفة، وشكلت عامل ضغط على مستوى العمالة والأجور في هذه البلدان، ومِنْ ثَمَّ فإن نتائج هذه الهجرات كانت مثبطة قدر ما كانت التحديات التي واجهتها كثيرة، ولا يمكن أن تعد هذه الهجرات أكثر من إجراء مسكن لمشكلة البطالة المتفاقمة في كثير من البلدان. وفي الحقيقة إن الهجرة الخارجية من الدول النامية باتجاه الدول الرأسمالية المتقدمة صناعياً تعد واحدة من أكبر المشكلات التي تواجه الدول النامية وخاصة عندما تشمل تلك الهجرة أفواجاً كبيرة من ذوي الخبرة وذوي الاختصاصات العالية. إن هجرة هذه الفئة الأخيرة تسمى «هجرة العقول»، وإن هذه الظاهرة تعني فقدان ثروة وطنية تملكها الدول النامية ورأسمال ثمين لا تقدر قيمته بثمن، ذلك لأن الرأسمال البشري هو مفتاح التنمية وإدخال التقنية الحديثة في الهيكل الإنتاجي. أما هجرة الأدمغة من الدول الاشتراكية بعد انهيار الاتحاد السوفييتي وغيره من الدول الاشتراكية في أوربة فقد فاقمت أزمة الأدمغة التي لا تجد أعمالاً تتناسب مع كفاءتها لأن العرض فاق الطلب في الدول المهاجر إليها.
منقــول للأمــــــــــــــــــــــــــــانة
أنتظر ردوكـــــــــــــــــــــــــــــــم
ســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلام