السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
العقلانية الاقتصادية
العقلانية rationalité أصلاً هي التصرف بتعقل ووفقاً للمنطق. والعقلانية الاقتصادية rationalité économique هي التصرف الاقتصادي الاستهلاكي أو الإنتاجي بما يوفر تعظيم المنفعة الاستهلاكية بأقل تكلفة ممكنة ويزيد في العائد الاقتصادي من الموارد الموضوعة في العملية الإنتاجية.
إن العقلانية الاقتصادية أو الرشاد الاقتصادي مقولة ليست بعيدة عن «الاقتصادية» économisme التي ترى في سلوك الفعاليات الاقتصادية من حيث السلوك والقيم والتقويم تطبيقاً للنظريات الاقتصادية وطرائق علم الاقتصاد وحسب. وهي قريبة جداً من «العقلنة» rationalisation الاقتصادية بمعنى السلوك الاقتصادي الذي يهدف إلى تحقيق النجاعة الاقتصادية في أي تصرف.
تعد العقلانية الاقتصادية نقطة الانطلاق في نشأة العلوم الاقتصادية وتطورها، من حيث إن العقلانية تقوم على عزل حيز اقتصادي معين للسلوك بعيداً عن البعد الاجتماعي. فأصحاب الفعاليات الاقتصادية (مستهلكون أو منتجون) يحددون سلوكهم على أساس البحث عن تعظيم الإشباع بأقل ما يمكن من الجهد للحصول على الهدف المحدد.
مع تطور علم الاقتصاد تطورت مفهومات العقلانية الاقتصادية لتشمل عقلنة الأهداف من حيث انسجامها فيما بينها إضافة إلى عقلنة استخدام الموارد المناسبة لتحقيق الأهداف المرغوب فيها، يضاف إلى ذلك استخدام نماذج رياضية لضمان ترابط القرارات الاقتصادية فيما بينها لتيسير الحصول على الأهداف بأقل الأثمان.
شمل مفهوم العقلانية الاقتصادية في مرحلة متقدمة ـ إضافة إلى رفع المردود الاقتصادي ـ بعض الجوانب القيمية والاجتماعية وأحياناً السياسية مثل المكانة الاجتماعية، السلطة وكسب الشعبية، وهكذا لم يعد استخدام الموارد لتحقيق أهداف غير اقتصادية مباشرة مناقضاً للعقلانية الاقتصادية بمفهومها المعاصر، وتطور مفهوم العقلانية ليشتمل على عقلانيات اقتصادية تتناول سلوك المستهلك وسلوك المنتج، وعقلانية الأهداف وعقلانية القيم، عقلانية اتخاذ القرار وعقلانية النتائج، ومن ثم عقلانية الفعاليات الاقتصادية وعقلانية النظام الاقتصادي.
العقلانية أساس علم الاقتصاد
يعرّف علم الاقتصاد على نحو مختلف حسب المدارس الاقتصادية، وهناك قاسم مشترك في كل تعريفات علم الاقتصاد في أن هذا العلم يتناول إدارة الموارد المتاحة للحصول منها على أعلى مردود ممكن، أي للحصول على أعلى مستوى ممكن من المنفعة بأقل تكلفة ممكنة، ومن ثم فإن العقلانية الاقتصادية بجوهرها تتمثل في تجسيد مضمون علم الاقتصاد، فعقلانية المنتج تكمن في الحصول على أكبر حجم إنتاج من موارد الإنتاج المتاحة له. وتكون عقلانية المستهلك في تقسيم موارده المخصصة للاستهلاك على المواد الاستهلاكية اللازمة حسب سلم الأوليَّات وأفضلياته الذاتية، أخذاً بالحسبان مستوى أسعار البدائل الاستهلاكية الممكنة؛ ذلك لأن النظرية الاقتصادية ـ وعلى اختلاف المدارس ـ قد حددت عدداً من الفرضيات لتحديد مستوى عقلانية المستهلك والمنتج. واعتماداً على هذه الفرضيات فإن سلوك المستهلك العقلاني يكون في تعظيم مستوى الإشباع من خلال تحديد خياراته على نحو يجعل المنفعة الهامشية لكل أنواع استهلاكاته متساوية فيما بينها، والمنتج العاقل هو الذي يعظم الأرباح التي يحققها مشروعه بالنسبة للمشروعات التي تهدف إلى تحقيق الربح أو تعظيم الخدمات التي يقدمها المشروع قياساً إلى تلك التي لاتهدف إلى تحقيق الربح.
عقلانية الفعاليات وعقلانية النظم الاقتصادية
تتجلى عقلانية الفعالية الاقتصادية سواء أكانت هذه الفعالية مستهلكاً أم منتجاً بالطريقة التي يتصرف بها (أو يجب أن يتصرف بها) في متابعة تحقيق الأهداف التي يرسمها لنفسه. أما عقلانية النظام فتطرح عدداً من الأسئلة بقدرته على توفير عدد محدد من الغايات مثل نمو وسائل الإنتاج، ورفع مستوى المعيشة، وإعادة توزيع الدخل، وتقليص الفروق بين الفئات، وتحقيق العدالة.
وعقلانية الفعالية الاقتصادية (الشخص أو المشروع أو الدولة بصفتها الاعتبارية) هي عقلانية قصدية تعبر عن منهج علمي ذاتي في طرح التساؤل في الغايات وسبل تحقيقها بينما عقلانية النظام تتمثل في تغليب مصلحة الجماعة على مصلحة اللاعبين الأفراد، الذين ينظر إليهم بوصفهم نتاجاً لعقلانية النظام أو سنداً في حسن سيره، وغالباً ما تناقش عقلانية النظام بالمقارنة بين النظامين الرأسمالي والاشتراكي وقدرة كل منهما على تحقيق الأهداف المجتمعية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
والمسألة الجوهرية في التحليل هي كيفية التوفيق بين عقلانية الفعاليات الاقتصادية وعقلانية النظام. ففي حين يؤكد أنصار الحرية الاقتصادية أن اقتصاد السوقكفيل من خلال آلية العرض والطلب بترتيب التوافق بين عقلانية النظام وعقلانية الأشخاص يلاحظ أن الاقتصاديين الاشتراكيين يؤكدون ضرورة التخطيط المركزي أو التأشيري في مثل هذا التوافق.
العقلانية الاقتصادية الشاملة
على الرغم من الانتصار الذي حققه اقتصاد السوق على الاقتصاد المخطط لتحقيق مستوى معيشة أعلى للسكان وبناء اقتصاد عصري وإنتاجية عمل أعلى، وعلى الرغم من شبكات الحماية الاجتماعية الفعالة التي تأسست في الدول الصناعية المتقدمة؛ عجز اقتصاد السوق حتى اليوم عن تحقيق العدالة وتقليص الفروق بين الفئات الاجتماعية، مما يهدد المجتمعات الآخذة باقتصاد السوق بالاضطرابات الاجتماعية وعدم الاستقرار؛ في حين أن اقتصادات التخطيط المركزي أخفقت في تحقيق بناء اقتصادات متطورة مماثلة لتلك التي تحققت في المجتمعات الرأسمالية، وعجزت عن توفير مستويات معيشة عالية لسكانها، على الرغم من المكاسب الاجتماعية لتوزيع الدخل وتوفير الخدمات الأساسية (التعليم، الثقافة، الصحة) لكل أفراد المجتمع، إضافة إلى تقليص الفروق بين الفئات الاجتماعية، وقد أدت عدالة التوزيع وتوفرّ فرص العمل لجميع الراغبين فيه إلى توجيه اهتمامات أفراد المجتمع نحو الثقافة والابتعاد عن الجريمة.
إن مقارنة بسيطة بين ترتيب الدول الاشتراكية السابقة والدول الصناعية الرأسمالية من حيث نصيب الفرد في كل منها من الناتج المحلي الإجمالي وترتيبها حسب مؤشر التنمية البشرية، الذي يأخذ بالحسبان كلاً من مستوى التعليم ومستوى الخدمات الصحية المتاحة، تبيِّن بوضوح أن ترتيب المجتمعات الاشتراكية السابقة من حيث مؤشر التنمية البشرية يتفوق كثيراً على ترتيبها في السلم العالمي من حيث نصيب الفرد من الدخل.
إن العقلانية الاقتصادية الشاملة تستدعي الأخذ بالحسبان أكثر من رفع متوسط المعيشة وتحسين متوسط الدخل الفردي؛ إذ تقتضي تدخل الدولة في إعادة توزيع الدخل، وتخفيض نصيب أكبر من الناتج لتوفير الخدمات الأساسية لأفراد المجتمع بصرف النظر عن مستويات الدخل لكل فرد.
منقــول للأمــــــــــــــــــــــــــــانة
أنتظر ردوكـــــــــــــــــــــــــــــــم
ســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــلام