المبحث الثالث: أدوات، أهداف وأنواع العولمة.
المطلب الأول : أدوات العولمة.
من أدوات العولمة الاقتصادية التي تحق بها أهدافها ما يلي:
الشركات متعددة الجنسيات:
عملت الشركات العالمية
متعددة الجنسية على عولمة النشاط الإنتاجي بآليتين مهمتين هما:التجارة
الدولية و الاستثمار الأجنبي المباشر . و قد أدى دعم سياسات المؤسسات
الدولية مثل: صندوق النقد الدولي و البنك الدولي التي شجعت على الخصخصة في
العالم و إتباع سياسة السوق الحرة أدى إلى مشاركة الشركات الأمريكية و
الأوروبية و اليابانية في رأس مال الشركات في الدول الفقيرة و نقل المصانع
من المراكز الرأسمالية الغربية إلى أسواق العالم النامي حيث تكون الأيدي
العاملة رخيصة مما يعود بالنفع على الشركات العالمية على المدى البعيد.
المنظمات الاقتصادية الدولية:
فقد أنشأت الدول
الغربية في نهاية الحرب العالمية الثانية مؤسستين مهمتين هما:صندوق النقد
الدولي و البنك الدولي و تلا ذلك إنشاء منظمة التجارة العالمية بعد نصف قرن
تقريبا ليستكمل بها الإطار المؤسسي الدولي على الصعيد الاقتصادي و هذه
المنظمات تسيطر عليها الدول الصناعية و توجهها لتحقيق مصالحها و على رأسها
عولمة الاقتصاد الدولي و في الوقت نفسه إضعاف نقود الدول النامية في تلك
المنظمات لتصبح عاجزة عن تمثيل نفسها تمثيلا جيدا.
العقوبات الاقتصادية:
تفرض هذه العقوبات من
طرف الدول الغربية الكبرى على الدول النامية لتحقيق أهدافها في عولمة
الاقتصاد العالمي بحجج كثيرة منها: انتهاك حقوق الإنسان أو مكافحة الإرهاب
أو الحيلولة دون انتشار الأسلحة النووية أو حقوق العمال أو محاربة المخدرات
أو حماية البيئة و نحو ذلك.
تداول بعض الأدوات:
كالأسهم و السندات و العملات وغيرها من أدوات الاستثمار الأجنبي غير المباشر الذي يتناسب من والى السواق المالية في الدول النامية.
حيث ينتقل رأس المال من
دولة إلى أخرى في العالم ببيع تلك الأدوات أو شرائها بقرار من المرابين
العالميين و مديري الشركات متعددة الجنسية و قد تخرج تلك الأموال فجأة
لمعاقبة البلد الذي لا يلتزم بما يملي عليه من شروط العولمة الاقتصادية و
متطلباتها مما قد يتسبب في أزمات اقتصادية كبيرة من أمثلها ما حدت لدول
جنوب شرق آسيا في عام 1997م التي كان من أهم أسبابها التوسع في استعمال تلك
الأدوات فقد ضارب المستثمرون الذين يتمتعون بحرية التعامل في أسواق المال
في تلك البلدان على عملاتها مما أدى إلى اضطراب أسعار صرفها و إشاعة الرعب و
التوتر و ضعف الدقة في أسواقها و اثر ذلك في بقية الاقتصاد و عرقلة مسيرة
النمو الاقتصادي و كذلك أدى التعامل بالسندات و الاقتراض قصيرة الأجل من
أسواق المال العالمية لتمويل استثمارات محلية طويلة الأجل أدى إلى نتائج
مشابهة.
الاتحادات الاقتصادية الدولية:
و من أمثلة ذلك الاتحاد
الأوروبي و اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية التي تشمل الو م ا و
كندا و المكسيك و هذه الاتحادات تفرض على الدول النامية سياسات اقتصادية
رأسمالية تصب في مصلحة تلك الاتحادات و تؤدي الى عولمة اقتصاديات الدول
النامية.(1)
المطلب الثاني: أهداف العولمة.
تنقسم أهدافالعولمةالاقتصادية إلى قسمين رئيسيين هما :أهداف معلنةوأهداف خفية .ومن تلك الأهداف المعلنة نجد:
1ـتقريب الاتجاهات العالمية نحو تحريرأسواق التجارة ورأس المال.
2ـزيادة الإنتاج ،وتهيئة فرص النمو الاقتصادي على المستوى المحلي والعالمي .
3ـزيادة حجم التجارة العالمية ، مما يؤدي إلى الانتعاشالاقتصادي العالمي.
4ـزيادة رأس المال في العالم.
5ـحل المشكلات الإنسانية المشتركة التي لا يمكن أن تحلها الدول بمفردها ، مثل : انتشار أسلحة الدمار الشامل، وانتشار المخدرات.
هذه هي أهم أهدافالعولمةالاقتصادية في نظر المؤيدين لها وعلى كل ، فهذه الأهداف تتفق مع ما هو معلن منأهداف في اتفاقيات إنشاء المنظمات الاقتصادية التي تخطط لسياساتالعولمةالاقتصادية وتنفذها ، كالبنك الدولي ، وصندوق النقدالدولي ، ومنظمة التجارة العالمية.
أما بالنسبة للأهداف الخفية للعولمة في نظرهم فهي كمايلي:
1ـهيمنة الولايات المتحدة الأمريكيةوالاتحاد الأوربي على الاقتصاد العالمي بوسائل منها : الاحتكارات والشركات الكبرى.
2ـالتحكم في مركز القرار السياسي في دول العالم ،لتحقيق المصالح الأمريكية والأوربية .
3ـتعميقالخلاف بين الدول والحضارات والمجموعات البشرية المختلفة، والاتفاق على خطط معينةللصراع على المصالح .
4ـفرض السيطرة العسكريةوالثقافية الغربية على الشعوب النامية ، بقصد نهب مواردها وثرواتها الوطنية . وحقبةالاستعمار الغربي للبلدان النامية قديما وحديثا شاهدة بذلك .
5ـ القضاء علىالمشاعر الوطنية والهوية الثقافية ، وربط الإنسان بالعالم لا بالدولة ؛ لإسقاط هيبةالدولة .
هناك أدلة واقعية ترجع الأهداف الخفية للعولمة الإقتصادية على الأهداف المعلنة منها مايلي:
1ـ أنها تسعى إلى تحقيق مصالح أصحاب رؤوسالأموال والشركات الكبرى وبخاصة متعددة الجنسية ، وليست لتحقيق مصالح المواطنالغربي ، دعك من تحقيق مصالح مواطني البلدان النامية.
2ـأن الأهداف المعلنة تعارض سياسات منظماتالعولمة عند التنفيذ . فرفع مستوى المعيشةوزيادة الدخل من أهدافالعولمةالاقتصادية المعلنة،يعارض سياسة إزالة دعم السلع المعيشية أو زيادة الضرائب وما يترتب عليها من انخفاض دخول بعض الفئات الاجتماعيةوالدخول القومية وليس زيادتها .
(1) العولمة
والتجارة الدولية –محمد ابراهيم عبد الرحيم-دكتوراه في اقتصاديات الصناعة
مستشار اقتصادي –النشر –مؤسسة شباب الجامعة. ص ص 17.15
-3ـأن السياساتالمنفذة مبنية على النموذج الغربي في التنمية ، النابع من النظريات الاقتصاديةالغربية ،
وهو أمر يفرض على الدول النامية فرضا، ولا يؤخذ رأيها فيه ، مما يؤكدالأهداف الخفية المتمثلة بعولمة اقتصاديات الدول النامية .
4ـأن الدول الكبرى الدائنة تربط الموافقةعلى جدولة الدين ( قلب الدين) المستحق على الدول النامية ، بإحضار خطاب من صندوقالنقد الدولي يثبت خضوعها لسياساته وسياسات البنك الدولي . مما يؤكد أن الهدف منتلك السياسات هو جعل البلد الذي تنفذ فيه ، قادرا على تسديد ديونه الخارجية ،ومسهلا تحويل أرباح الاستثمارات الأجنبية إلى الخارج ، دون العمل على تحقيق تنميةاقتصادية حقيقية في ذلك البلد . وهذا من الأهداف الخفية التي على رأسها نهب مواردالدول النامية . ولو كان المقصود تحقيق الأهداف المعلنة ، لما اشترط هذاالربط!
5ـأن تحرير الأسواق مطلقا ، ليس من مصلحةالدول النامية ؛ لتفاوت أوضاعها واختلافها عن أوضاع الدول المتقدمة ؛ ولأن هذاالتحرير يؤدي إلى زيادة العجز. فالعدل يقتضي مراعاة أحوالالدول النامية ، وليس فتح الباب على مصراعيه في الدول النامية أمام طوفان السلعوالخدمات الغربية المتطورة.(2)
المطلب الثالث:أنواع العولمة
إن من المتتبع للتطورات المتلاحقة للعولمة يلاحظ أن هناكمجموعة رئيسية من التغيرات العالمية التي حدثت على نطاق واسع والمتمثلة في النموالسريع للمعاملات الحالية الدولية وكذلك النمو السريع للاستثمار الأجنبيالمباشر(fdi) ،والمتأمل يكتشف النقاب عن أن العولمة تتحدد في نوعينرئيسيين هما " العولمة الإنتاجية أو عولمة الإنتاج" و" عولمة مالية".
أ-عولمة الإنتاج : تتم بدون وجود أزمات مأساوية كمايحدث بالنسبة للعولمة المالية، وتتحقق العولمة المالية بدرجة كبيرة من خلال الشركاتالمتعددة الجنسيات، وتتبلور عولمة الإنتاج من خلال اتجاهين:
أ-1 –الاتجاه الأول والخاص بعولمة التجارةالدولية: حيث يلاحظ أن التجارة الدولية زادت بدرجة كبيرة خلال عقدالتسعينيات
حيث بلغ معدل التجارة الدولية ضعفي نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي،
مثلا عام 1995م زاد معدل التجارة الدولية بحوالي9 %، بينما زادالناتج العالمي بنسبة 5% فقط، ، ويلاحظ أنالشركات المتعددة الجنسيات هي التي تقف وراء زيادة معدل نمو التجارة العالميةبالإضافة إلى مشاركتها في زيادة الناتج العالمي.
أ-2- الاتجاه الثاني والخاص بالاستثمار الأجنبي المباشر: يلاحظ أن معدل نمو الاستثمار الأجنبي المباشر زاد بمعدل أسرعوأكبر من زيادة معدل نمو التجارة العالمية حيث كان يميلفي المتوسط إلى حوالي 12 بالمائة خلال عقد التسعينيات، ويرجع ذلك بالدرجة الأولىإلى دور الشركات المتعددة الجنسيات في إحداث المزيد من العولمة والتي تعمل بدورهاعلى خوض المزيد من التحالفات الإستراتيجية فيما بينها لإحداث المزيد من عولمةالعمليات في مجال التكنولوجيا والأسواق.
ب- العولمة المالية :تعتبر العولمة المالية الناتج الأساسي لعملية التحرير المالي،والتحول إلى ما يسمى بالانفتاح المالي، مما أدى إلى تكامل وارتباط الأسواق الماليةالمحلية بالعام الخارجي
يمكن الاستدلال عن العولمة المالية بمؤشرين هما:
ب-1- المؤشر الأول: والخاص بتطور حجم المعاملات عبر الحدود في الأسهم، والسندات فيالدول الصناعية المتقدمة، حيث تشير العمليات إلى أن المعاملات الخارجية في الأسهموالسندات كانت تمثل أقل من 10 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي في هذه الدول فيعام 1980م، بينما وصلت إلى ما يزيد عن 100 بالمائة في كل من الو. م. أوألمانيا عام 1996م، وإلى ما يزيد عن 200 بالمائة في فرنسا إيطاليا وكندا في نفس السنة .
(2) العولمة والتجارة الدولية-مرجع سبق ذكره –ص ص12-15ب-2- المؤشر الثاني:والخاص بدور تداول النقد الأجنبي على الصعيد العالمي فيالإحصاءات تشير إلى متوسط حجم التعامل اليومي في أسواق الصرف الأجنبي وارتفعت من 20 مليار دولار في منتصف الثمانينات إلى حوالي 1.2 تريليون دولار عام 1990م، وهوما يزيد عن 8.4 بالمائة من الاحتياطيات العالمية لجميع بلدان العالم في نفسالعام