الاشتراكية سنة اولى
الاشتراكية
الاشتراكية socialism
نظام اقتصادي اجتماعي يقوم على الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج
الأساسية، من أجل تلبية حاجات المجتمع على الوجه الأمثل. والقاعدة
الاقتصادية الأساسية في هذا النظام هي إلغاء التقسيم الطبقي في المجتمع
وإلغاء استغلال الإنسان للإنسان، بهدف تحقيق العدل والمساواة بين أفراد
المجتمع. وقد تعددت المذاهب والنظريات التي تناولت الفكر الاشتراكي، إلا أن
النظرية الماركسية اللينينية وحدها هي التي نقلت هذا الفكر إلى الواقع
وكانت الأساس الذي قامت عليه أنظمة اشتراكية سادت بلداناً عدة في القرن
العشرين، ولذلك فإن البحث في أسس النظام الاشتراكي ومرتكزاته يعني في جوهره
نظرة الماركسية ـ اللينينية إلى هذا الموضوع.
تتعارض الاشتراكية تعارضاً جذرياً مع الرأسمالية.
لأن القضاء على الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج واستبدال الملكية
الاجتماعية بها يؤدي إلى تغيير البنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية
للمجتمع. وبعد أن كان هدف الإنتاج في النظام الرأسمالي تحقيق الربح لمالكي
وسائل الإنتاج باستغلال الطبقة العاملة والكادحين، يصبح هدف الإنتاج في
النظام الاشتراكي تلبية حاجات أعضاء المجتمع المادية والروحية، ووضع حد
للاستغلال. ويفرض هذا النظام واجب العمل على الجميع لأن «من لا يعمل لا
يأكل». وبذلك يتحول المجتمع من مجتمع متناحر إلى مجتمع يوحد مصالح المنتجين
والعاملين.
الجذور التاريخية للمذهب الاشتراكي
يرجع الكثير من مؤرخي الفكر الاقتصادي المذهب الاشتراكي إلى الفيلسوف اليوناني أفلاطون، الذي صوّر في كتابه (الجمهورية) مجتمعاً مثالياً يعيش فيه الناس حياة ملؤها السعادة، والحرية، والعدالة. وقد بنى أفلاطون هذا المجتمع على ثلاث فئات من الناس هي:
الفئة الأولى: فئة الصناع، الذين يبنون المنازل، وينتجون الطعام، والملابس.
الفئة الثانية: فئة المحاربين، الذين يدافعون عن الوطن ضد العدوان الخارجي.
الفئة الثالثة: فئة الحكام الفلاسفة، الذين يتم اختيارهم بكل عناية ودقة، ويحرم عليهم كل أنواع الملكية الخاصة، حتى ينصرفوا إلى رعاية حكمهم وإقامة العدل بين الناس.
وقد كان أفلاطون يهدف، من وراء ذلك، إلى تصوير مدينة مثالية، يعيش فيها الناس سعداء متحابين، وتزول منها كل صور الظلم الاجتماعي، والسياسي، والاقتصادي. ورغم أن أفكاره ظلت أفكاراً خيالية بعيدة عن التطبيق الواقعي، إلا أنها ظلت حاضرة في أذهان الكثير من الفلاسفة والمفكرين. فمنذ عهد أفلاطون، لم يمر جيل إلا ويظهر فيه مفكر، أو فيلسوف، يحاول مقاومة مساوئ نظام الملكية الخاصة، عن طريق تصوير مجتمع خيالي تنعدم فيه الملكية الخاصة، ويعيش فيه الناس أحراراً من كل القيود المادية والمعنوية. فقد أفضت القرون، التي فصلت بين عهد أفلاطون، وعصر الإصلاح الديني بالكثير من الأفكار التي تدعو للمساواة، والملكية العامة للمجتمع، وغير ذلك من الأفكار، التي تدعو للعدالة الاجتماعية لأكبر عدد ممكن من المواطنين. وقد تبنى هذه الأفكار الكثير من الفلاسفة، والشعراء، والقساوسة، اعتقاداً منهم بأن شيوعية المجتمع هي الحالة الطبيعية، وأن القانون الوضعي، الذي أوجد عدم المساواة والملكية الخاصة، والفروق الطبقية بين الناس، ليس هو التفسير السليم لقانون السماء.
أما في عصر الإصلاح الديني، في أوربا، في القرن السادس عشر، فقد أثار مارتن لوثر الشكوك حول الملكية الخاصة، وعدّها من السيئات التي يجب أن يتخلص منها المجتمع. إلا أن هذه الآراء ظلت محبوسة في الإطار التخيلي، بعيدة عن التطبيق على أرض الواقع، خاصة في ظل النفوذ القوي، الذي كان يتمتع به الملوك والأمراء. واستمر الحال على هذا المنوال، حتى وضع كارل ماركس أساس الاشتراكية العلمية، التي كانت تهدف إلى تقويض مبادئ الرأسمالية، وساندها في ذلك التفاوت الطبقي، والاضطهاد الكبير، الذي عانته طبقة العمال، في الدول الأوربية، خلال القرن التاسع عشر. وقد أخذت الاشتراكية صوراً مختلفة حيث راوحت بين الاشتراكية الخيالية، والاشتراكية الإصلاحية، مروراً بالاشتراكية الماركسية أو العلمية. ومما لاشك فيه أن إسهام مفكري هذا المذهب قد أثرى الفكر الاقتصادي، وساعد في تطوره، خاصة أنها قد أخذت على عاتقها البحث عن نواقص النظام الرأسمالي وعيوبهالأصولإن كلمة الاشتراكية الإنجليزية (1839) مستمدة من الاشتراكية الفرنسية (1832)، وإدخال التيار الرئيسي للاستخدام، في فرنسا، بيار يروكس.، وماري لويس روش ريبود؛ وبريطانيا -->روبرت اوين في 1827 وهو أبو الحركة التعاونية.على
الرغم من أن النماذج الاشتراكية والتي تبني أفكار الملكية المشتركة كانت
موجودة منذ العصور القديمة مع فلاسفة اليونان الكلاسيكيين --> أفلاطون وأرسطو، إن المفهوم الحديث للاشتراكية تطور استجابة لتطور الرأسمالية الصناعية.وأول دعوة للاشتراكية كانت تحبذ التسوية الاجتماعية من أجل خلق مجتمع الجدارة أو التكنوقراط على أساس الموهبة الفردية. كونت هنري دي سان سيمون يعتبر أول من صاغ مصطلح الاشتراكية. سيمون
كان معجباً بالإمكانات الهائلة في مجال العلم والتكنولوجيا، ودعا إلى أن
المجتمع الاشتراكي من شأنه القضاء على الجوانب غير المنضبطة للرأسمالية،
وسيكون على أساس تكافؤ الفرص. دعا إلى إنشاء مجتمع يتمتع فيه كل شخص بمرتبة ومكانة وفقا لقدراته ومكافأة الفرد وفقا لعمله أو عملها. هذا
وقد رافق رغبة في تنفيذ اقتصاد عقلاني يقوم على التخطيط المنظم والموجه
نحو التقدم العلمي والمادي واسع النطاق، ، وبالتالي يجسد الرغبة في إجراء
مزيد من التوجيه والاقتصاد المخطط.أوائل المفكرين الاشتراكيين الأخرين، مثل توماس هودجكين وتشارلز هول، اسندوا أفكارهم إلى نتائج ديفيدللنظريات
الاقتصادية ومعللا بأن قيمة السلع توازن أسعار المنتجين عندما يقترب من
تلك السلع فائض المعروض، وبأن هذه أسعار المنتجين تناظر الطلب عليها.
الاشتراكيين الريكارديين ينظر إلى أن الربح والفائدة والريع يخصم من قيمة
هذا التبادل. نقاد الغرب الأوروبي الاجتماعيين، بما في ذلك روبرت أوين ، شارل فورييه ، بيير جوزيف برودون ، لوي تشارلز هولبلان، تشارلز هول وسان سيمون، كانوا أول الاشتراكيين الجدد الذين انتقدوا الفقر والتفاوت المفرط في الثورة الصناعية.وهم دعوا إلى إالصلاح مع البعض مثل روبرت أوين والدعوة إلى تحول المجتمع ككل إلى مجتمعات محلية صغيرة دون الملكية الخاصة.لغويا،
فإن الدلالة المعاصرة للاشتراكية والشيوعية هي كلمات مخصوصة لمعتنقي
ومعارضي الموقف الثقافي تجاه الدين. في أوروبا المسيحية، يعتقد أن الشيوعية
هي طريقة الإلحادفي الحياة. في انكلترا البروتستانتية، كانت كلمة الشيوعية كانت ثقافية وكانت قريبة من الروم الكاثوليك طائفة مذهبية، وبالتالي فإن الملحدين الانجليز تدل على الاشتراكيين أنفسهم. في عام 1847، قال فريدريك إنجلز "أن الاشتراكية كانت محترمة في القارة، في حين أن الشيوعية لم تكن مقدرة". اعتبر أوينيتيسفي انجلترا وفوريريستيسفي
فرنسا ?اشتراكيين، في حين أن حركات الطبقة العاملة "وأعلانهم ضرورة
التغيير الاجتماعي الكلي" تدل على أنهم شيوعيين. هذا الفرع الأخير من
الاشتراكية كانت قوية بما يكفي لإنتاج الشيوعية عن طريق إتيان سابتفي فرنسا ويلهلم ويتلينجفي ألمانيا
السمات العامة المميزة للنظام الاشتراكي
الاشتراكية نظام متكامل اقتصادياً واجتماعياً
وسياسياً، يهدف إلى تحقيق العدالة في المجتمع، وتوفير فرص العمل لأفراده من
دون استغلال، ويقوم على الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج.
ففي المجال الاقتصادي لا يتحقق أسلوب الإنتاج
الاشتراكي إلا عندما تصبح وسائل الإنتاج ملكاً للمجتمع بأسره أي ملكاً
للدولة والتعاونيات، ويكون هدف الإنتاج تلبية الحد الأقصى من حاجات أعضاء
المجتمع المادية والروحية. ويكون العمل مفروضاً على الجميع ومتوافراً
للقادرين عليه. ويتم الإنتاج في هذا النظام وفق خطط تضعها الدولة وتشرف على
تنفيذها، ويتم توزيع الناتج وفقاً لقانون التوزيع الاشتراكي لكل بحسب حجم
عمله ونوعيته.
وفي المجال الاجتماعي ينعدم في النظام الاشتراكي
الصراع الطبقي في المجتمع وتزول بزوال هذا الصراع الخلافات بين الأمم
والشعوب، ويغدو القانون الضابط لحياة المجتمع عناية الجميع بخير كل فرد
وعناية كل فرد بخير الجميع. بيد أنه لا يمكن في مرحلة بناء الاشتراكية
تحقيق المساواة الاجتماعية لأن العمل يظل مقسوماً إلى عمل ذهني وعمل جسدي،
إلى عمل صناعي وعمل زراعي، وهذه الأحوال تتسبب في بقاء عدم التجانس في
المجتمع على الصعيد الاجتماعي وبقاء بعض طبقات المجتمع، كالعمال والفلاحين،
وفئات أخرى لا تؤلف طبقة خاصة كالمثقفين. ويؤدي ذلك إلى استمرار ظهور بعض
التناقضات التي لا تحمل طابع التناحر، ويمكن حلها في إطار النظام الاشتراكي
في عملية التطور المستمرة.
وأما في المجال السياسي فيفرض النظام الاشتراكي
أن تكون السلطة السياسية في يد المنتجين والشغيلة وعلى رأسهم الطبقة
العاملة، مع وجود حزب طليعي يقود الدولة والمجتمع. ويتم حل القضايا
الاجتماعية الأساسية بمشاركة جماهيرية وديمقراطية واسعة توفرها المنظمات
الشعبية. ويمكن استناداً إلى ما سبق تحديد السمات التي يوصف بها المجتمع
الاشتراكي على النحو التالي:
ـ وجود قوى منتجة فاعلة، وعلم متطور، وثقافة طليعية، مع استمرار ارتفاع مستوى المعيشة في المجتمع، وتوافر الأحوال الملائمة لتطوير حياة الفرد من جميع النواحي.
ـ وجود علاقات إنتاج اشتراكية، تحقق التقارب بين
جميع الطبقات والشرائح الاجتماعية المنتجة، وتحقق المساواة الفعلية بين
جميع الأمم والشعوب وتدفعها إلى التعاون فيما بينها.
ـ وجود تنظيم رفيع المستوى وإخلاص ووعي سام لدى الشغيلة للقضايا الوطنية والأممية.
ـ سيادة القانون في المجتمع وبين الدول.
ـ توافر الديمقراطية الشعبية باشتراك الفئات
المنتجة في إدارة دفة الدولة. والجمع بين حقوق المواطنين وحرياتهم الفعلية
وبين واجباتهم ومسؤولياتهم أمام المجتمع.
وإن عدم توافر هذه السمات كلها أو بعضها يعرقل
تطور المجتمع الاشتراكي بطبيعة الحال وقد يهدد بزواله أحياناً، والتجربة
التاريخية تؤكد ذلك.
القانون الاقتصادي للنظام الاشتراكي
تسير الحياة الاقتصادية في أي مجتمع وفقاً لقوانين محددة، وليس بحسب رغبة الأفراد في المجتمع. ولقوانين الحياة الاقتصادية والنشاط الاقتصادي
طابع موضوعي، يبدو جلياً في العلاقة بين الظواهر. وعليه فإن النظام
الاقتصادي في المجتمع تحدده علاقات الإنتاج، أي العلاقات بين الناس في مجال
إنتاج الخيرات المادية وتوزيعها وتبادلها واستهلاكها. أما أساس النظام
الاقتصادي فهو شكل معين من أشكال ملكية وسائل الإنتاج يحدد العلاقات
الاقتصادية المتبادلة بين الطبقات والفئات الاجتماعية. كذلك فإن النظام
الاقتصادي يرتبط بمستوى التطور الاجتماعي، ويحدد التشكيلة الاجتماعية
الاقتصادية التي توفر تفاعل مستوى الإنتاج مع البناء الفوقي السياسي
والحقوقي. فالملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج تؤلف أساس الاشتراكية
الاقتصادي. وأما القاعدة المادية والتقنية للاشتراكية فهي الصناعة الثقيلة والمتطورة، مع هيمنة العمل الآلي على جميع فروع الاقتصاد الوطني.
والاشتراكية بتبنيها الملكية الاجتماعية لوسائل
الإنتاج، تجمع الاقتصاد الوطني في وحدة متكاملة. ويغدو تطور الاقتصاد
الوطني بمجمله في دائرة النشاط الواعي والهادف، شأنه شأن الإنتاج في إطار
كل مؤسسة على حدة.
وفي المجتمع الاشتراكي يعي الناس القوانين
الاقتصادية الموضوعية، ويملكون زمامها ويستخدمونها في ممارسة البناء
الاقتصادي، لما فيه خير المجتمع بأسره.
يبرز القانون الاقتصادي الأساسي للاشتراكية خصائص
أسلوب الإنتاج الاشتراكي التي تختلف اختلافاً جوهرياً عن الأشكال
التاريخية لأساليب الإنتاج التي كانت قبل ظهور الاشتراكية. ولئن كان قانون الربح
هو القانون الاقتصادي الأساسي للرأسمالية فإن الرفاه الشامل، وتحقيق مبدأ
تلبية احتياجات الأفراد المتزايدة وإشباعها وتطوير شخصية الفرد تؤلف
بمجموعها القانون الاقتصادي الأساسي للاشتراكية. وهذا يعني اندماجاً
مباشراً بين المنتجين ووسائل الإنتاج، بحيث ينتفي وجود مجموعة من الأفراد
تحتكر وسائل الإنتاج الأساسية، ويصبح للقوى المنتجة طبيعة اجتماعية يستفاد
منها لزيادة إنتاجية العمل ورفع مستوى معيشة أفراد المجتمع. وعندما يسعى
المجتمع إلى إشباع حاجات الأفراد المادية والمعنوية فإن مصالح المجتمع تؤلف
في النتيجة، مع مصالح الأفراد، وحدة متكاملة، لأن رفع مستوى الفرد يزيد في
إسهامه في الإنتاج الاجتماعي. وهذا يعني وحدة المصالح الاجتماعية
والفردية، الأمر الذي يحول العمل إلى نشاط إبداعي. وتحل المباريات
الاشتراكية بين المنتجين في المجتمع الاشتراكي محل التنافس والمضاربة
بين العمال في سوق العمل. ثم إن إدخال المكننة وتحسين شروط العمل وتحقيق
المساواة في العمل توفر جميعها الشروط المادية لتحويل العمل إلى نشاط
إبداعي، وتحويل عملية إشباع الحاجات في المجتمع الاشتراكي إلى مسألة
اجتماعية تقع على عاتق المجتمع بكامله.
إن حاجات الأفراد لا تقتصر على حاجاتهم
الفيزيولوجية المعيشية فحسب، وإنما تشمل كذلك حاجاتهم المعنوية والثقافية
والاجتماعية لأن الفرد كائن اجتماعي. وإن وحدة الحاجات المادية والمعنوية
تنجم عن الوحدة العضوية التي تربط ما بين الفرد والمجتمع. ولما كان الفرد
في المجتمع الاشتراكي منتجاً ومستهلكاً، فإن حاجاته لا تقتصر على إنتاج
وسائل الاستهلاك، وإنما تتطلب زيادة وسائل الإنتاج وتطويرها أيضاً. كذلك لا
تبقى الحاجات الإنسانية ثابتة، بل هي في تطور مستمر، ولهذا يبقى مفهوم
الإشباع الكامل للحاجات الإنسانية مفهوماً نسبياً. ويشترط لتحقيق الإشباع
الكامل تنمية الإنتاج وتبني سياسة اقتصادية مناسبة. ثم إن مستوى إشباع
الحاجات مرتبط بمستوى تطور القوى المنتجة. ومن الممكن تلخيص ذلك بالقول: إن
المجتمع الاشتراكي المنظم والواعي والهادف يستطيع أن يوجه الإنتاج
والتوزيع لإشباع الحاجات الاجتماعية والفردية وفقاً لسلم أولويات تحدده
وفرة الموارد المتاحة، كذلك فإن المجتمع الاشتراكي يعنى بالدرجة الأولى
بتوفير الحاجات الأساسية لكل أعضائه مثل الغذاء والمسكن والتعليم والخدمات
الصحية، ومن ثم تزداد قائمة الاحتياجات التي يسعى إلى إشباعها مع زيادة
الإمكانات المتوافرة، والهدف الأساسي للإنتاج الاشتراكي هو الوفاء
باحتياجات المنتجين والشعب بكامله. ويقول أنغلز في هذا المعنى: « إن
الاشتراكية تتيح إمكان توفير الشروط المادية الكافية لمعيشة كل أعضاء
المجتمع وتحسينها يوماً بعد يوم، وتحقيق التنمية الكاملة الحرة، وتلبية
احتياجات أعضاء المجتمع المادية والمعنوية عن طريق الإنتاج الاجتماعي».
تترسخ أسس الاقتصاد الاشتراكي في مرحلة الانتقال من الرأسمالية
إلى الاشتراكية ببناء قاعدة صناعية اشتراكية، وتطوير الزراعة ونقلها من
الفردية إلى الجماعية عن طريق المزارع التعاونية ومزارع الدولة، وإلغاء كل
احتمال لحدوث الاستغلال، وإزالة علاقات التنافس والمزاحمة وعلاقات السوق العفوية، وترسيخ الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج.
ولما كان الاقتصاد الاشتراكي أساس الحياة في
المجتمع الاشتراكي، فإنه يشترط تطور كل الميادين الأخرى (السياسي،
والاجتماعي، والثقافي). وتسهم الدولة في جعل العمل الحاجة الحيوية الأولى
لكل مواطن عندما تتحقق المصلحة المادية والمعنوية للمنتجين في جني ثمار
الإنتاج. وتتحقق هذه المصلحة عن طريق تطبيق المبدأ الاشتراكي لتوزيع
الخيرات المادية بحسب كمية العمل المبذول ونوعيته.
إن عدم نجاح المجتمع الاشتراكي، لأي سبب كان، في
تحقيق مضمون القانون الاقتصادي الأساسي للاشتراكية بما يضمن تلبية حاجات
أفراد المجتمع المتزايدة وإشباعها ورفع مستوى معيشتهم في كل المجالات من
شأنه أن ينعكس سلباً على إنتاجية العمل، ويقود إلى تقهقر الإنتاج
الاجتماعي. ويُعد عدم تطبيق قانون التوزيع الاشتراكي للخيرات المادية «لكل
بحسب حجم عمله ونوعيته» العامل الرئيسي في عرقلة تطور المجتمع الاشتراكي
وتهديم قوته المحركة الرئيسة.
آلية عمل الاقتصاد الاشتراكي
إن النشاط الاقتصادي في النظام الاشتراكي لا يحكمه اقتصاد السوق ونزعة الربح الفردي، بل تتحكم فيه أساساً خطة اقتصادية تهدف إلى تلبية حاجات المجتمع المتزايدة التي تعبر عن أهدافه ورغباته. ويعد الربح في الاقتصاد الاشتراكي وسيلة أكثر منه غاية. وتكون السوق في إطار التخطيط وسيلة فعالة وخادمة للاقتصاد، بدل أن تكون سيدة متحكمة فيه كما في النظام الرأسمالي.
الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج:
تؤلف الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج الأساس
الاقتصادي للنظام الاشتراكي. وهذا يعني أن جميع أعضاء المجتمع متساوون فيما
بينهم حيال وسائل الإنتاج، ومالكون لها بالقدر نفسه. أي إن معظم الموارد
الطبيعية ورأس المال هي ملك للشعب، ويشمل ذلك الأرض والصناعات والمصارف وقطاع المال والتجارة
بنوعيها الداخلية والخارجية. بيد أن الملكية الاجتماعية في ظل النظام
الاشتراكي لا تنفي وجود الملكية الشخصية للمواطنين. وتشمل هذه الملكية
الشخصية سلع الاستعمال والاستهلاك
الشخصي. ولكن لا يجوز استخدام الأموال التي يملكها المواطن ملكية شخصية من
أجل استغلال الآخرين أو الحصول على مدخولات غير ناجمة عن العمل.
تخطيط الاقتصاد الوطني:
يتطور الاقتصاد الوطني في الدول الاشتراكية
تطوراً مرسوماً. وإن تخطيط الاقتصاد الوطني وظيفة اقتصادية فائقة الأهمية
من وظائف الدولة الاشتراكية، وترتكز إدارة الاقتصاد الوطني المخطط على أساس
علمي يستند إلى القوانين الاقتصادية الموضوعية. ومبادئ التخطيط الاشتراكي للاقتصاد الوطني موجودة في مؤلفات لينين وفي وثائق الأحزاب الشيوعية والعمالية في الدول الاشتراكية كافة. وتناط عملية التخطيط
عادة بهيئة تخطيط في كل دولة. وأما المحرك الأساسي للنشاط الاقتصادي فهي
الأهداف العريضة التي يضعها الحزب الذي يقود الدولة والمجتمع.
والتخطيط في الدول الاشتراكية يعني تنظيم النشاط المتعلق بعملية الإنتاج والتبادل والتوزيع والاستهلاك.
أي تنظيم النشاط الإنتاجي الذي يقوم به أناس أحرار وينفذونه بوسائل
الإنتاج الاشتراكية، وهدفه تلبية حاجات الأفراد والمجتمع المتزايدة
باستمرار. وهذه الطريقة في إدارة عملية تجديد الإنتاج الاجتماعي الموسع
إدارة واعية هي من سمات النظام الاشتراكي.
قانون التوزيع «لكل بحسب حجم عمله ونوعيته»:
يتم توزيع الخيرات المادية التي ينتجها المجتمع
الاشتراكي بحسب كمية العمل المبذول ونوعيته، فالذي يعطي بعمله أكثر من غيره
ينال من الخيرات المادية أكثر من غيره. وبذلك تلغى الدخول الناجمة عن
الملكية «الإيجار والفائدة والربح»، ويعتمد توزيع الدخل على أساس كمية
العمل المبذول ونوعيته. ويقوم إلى جانب الاستهلاك الخاص نظام جديد للاستهلاك الاجتماعي والخدمات التي تقدمها الدولة للمواطنين مجاناً.
إن الإخلال في تطبيق قانون التوزيع الاشتراكي من شأنه أن يعرقل النمو الاقتصادي
من جهة ويوجد تناقضاً بين الأفراد والمجموعات من جهة ثانية، فيكسب البعض
من المجتمع أكثر مما يقدم، في حين يحصل البعض الآخر على أقل مما يستحق.
وتعود ظاهرة استغلال البعض للبعض الآخر في مظهر جديد غير مرتبط بملكية
وسائل الإنتاج، ويؤدي ذلك إلى إضعاف آلية النشاط الاقتصادي في المجتمع
ويهدد وجوده.
منظومة الدول الاشتراكية
طبق النظام الاشتراكي أول ما طبق في الاتحاد
السوفييتي السابق بعد انتصار ثورة أكتوبر الاشتراكية عام 1917. وبعد أقل من
ثلاثين عاماً على انتصار تلك الثورة انتشر النظام الاشتراكي في عدد من دول
العالم، ولاسيما في أوربة الشرقية في أعقاب الحرب العالمية الثانية وفي
ضوء نتائجها وما تمخضت عنه. وبذلك ظهرت إلى الوجود المنظومة الاشتراكية
العالمية، وصار لمجموعة الدول الاشتراكية دور مهم في الحياة الاقتصادية
والسياسية والاجتماعية في مستوى العالم حتى عام 1985. وتجدر الإشارة هنا
إلى أن تكوّن المنظومة الاشتراكية تم نتيجة الوجود العسكري السوفييتي في
أقطار أوربة الشرقية، وليس بسبب تطور القوى المنتجة وبلوغها مستوى متقدماً أصبح معه التحول إلى الاشتراكية ضرورة موضوعية.
وكانت الروابط والعلاقات بين مجموعة الدول
الاشتراكية تمثل تعاوناً اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً بين شعوب مستقلة
ذات سيادة تسلك طريق الاشتراكية والشيوعية، ولها مصالح وأهداف مشتركة على
أساس من التضامن الاشتراكي العالمي. وكانت تلك الروابط تمثل نوعاً جديداً
من العلاقات الاقتصادية العالمية يهدف إلى تصفية الاستغلال بجميع أشكاله
ومظاهره سواء أكان ذلك في النطاق الوطني أم العالمي.
وتضم هذه المنظومة مجموعة دول مستقلة يربط فيما
بينها التقسيم العالمي الاشتراكي للعمل. لأن الأساس الاقتصادي الواحد،
والأهداف الواحدة للإنتاج الاجتماعي يوفران إمكان تنسيق الخطط الاقتصادية
بين الدول الاشتراكية والشروط المواتية لتوازن مستويات تطورها الاقتصادي،
ويعززان التعاون الاقتصادي وزيادة التقارب فيما بينهما والعمل على تسريع
وتائر التطور الاقتصادي فيها. أما أهم أشكال هذا التعاون الاقتصادي بين
الدول الاشتراكية فهي:
ـ تنسيق خطط الاقتصاد الوطني.
ـ التخصص في الإنتاج الصناعي والزراعي وتبادل الخبرات والمعارف.
ـ استخدام الحساب الاقتصادي في العلاقات الاقتصادية وتحديد الأسعار.
ـ بناء المشروعات المشتركة والأشكال الجديدة لتخصص الإنتاج.
ـ التعاون العلمي ـ التقني وتنسيق البحوث العلمية.
ـ التبادل التجاري والمساعدة المتبادلة.
وقد كان تنسيق خطط الاقتصاد الوطني بين دول
المنظومة الاشتراكية يتم عملياً عن طريق مجلس المساعدة الاقتصادية
المتبادلة (كوميكون) الذي تأسس في عام 1949م. وكان يضم في عضويته كلا ًمن
بلغارية، وهنغارية، وألمانية الديمقراطية (سابقاً)، وبولندة، ورومانية،
وتشيكوسلوفاكية (سابقاً) والاتحاد السوفييتي (سابقاً)، ومنغولية. وكان
الكوميكون منظمة مفتوحة أمام الدول الأخرى التي ترغب في الانضمام إليه
والتي تشاطره أهدافه ومبادئه. وكانت قرارات المجلس وتوصياته لا تتخذ إلا
بموافقة الدول الأعضاء جميعاً، ولا تطبق على الدول التي تبدي عدم اهتمام
بالقضية المعنية، وكان للمجلس لجان دائمة هدفها تنسيق الخطط الإنتاجية بحسب فروعه.
دور الطبقة العاملة في عملية التحويل الاشتراكي
احتلت مسائل النضال الطبقي موقعاً مهماً في مبادئ
الاشتراكية العلمية. وأكد ماركس وأنغلز دور الطبقة العاملة الثوري في
عملية التحويل الاشتراكي، ومن أهم العوامل التي تحدد هذا الدور كون الطبقة
العاملة هي القوة المنتجة الرئيسة في المجتمع، وهي أكثر الطبقات معاناة من
الاستغلال في المجتمع البرجوازي. والطبقة الوحيدة صاحبة المصلحة في استبدال
الملكية الاجتماعية بالملكية الخاصة لوسائل الإنتاج، وهي كذلك أرقى طبقات
المجتمع تنظيماً، لارتباط عملها في مؤسسات الإنتاج وتعودها الطاعة
والانضباط ورص الصفوف، وهي أكثر فئات المجتمع تقبلاً لأفكار الاشتراكية
العلمية، وأكثرها تقدماً وثورية، لأنها تبقى دائماً على اتصال بأحدث منجزات
العلم والتقنية التي تتعلق بتحديث وسائل الإنتاج وتطويرها. وبتعميق
التحالف بين الطبقة العاملة والفلاحين الكادحين، والمثقفين والمستخدمين
والشغيلة كافة، تستطيع الطبقة العاملة أن تحرر المجتمع بكامله من
الاستغلال.
المرحلة الانتقالية
إن مرحلة التحول من المجتمع الرأسمالي إلى
المجتمع الاشتراكي وبناء الاشتراكية هي مرحلة انتقالية وضرورية، لأن علاقات
الإنتاج في النظام الاشتراكي والملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج لا يمكن
أن تولد في أحشاء النظام الرأسمالي. ولا تنشأ في هذا النظام إلا مقدمات
للاشتراكية، وبذلك تكون المرحلة الانتقالية جسراً لحل المهمات الأساسية
للانتقال من الرأسمالية
إلى الاشتراكية، وأبرزها: تصفية علاقات الإنتاج الرأسمالية، والاستعاضة
عنها بعلاقات اشتراكية، وتصفية الطبقات المستغلة، وإلغاء استغلال الإنسان
للإنسان وكل الأسباب التي تولده، وبناء القاعدة الاشتراكية المادية و
التقنية بإقامة صناعة متطورة، واستخدام التقنية العالية، والتغلب على تعدد
الأنماط في الاقتصاد الوطني، وتحويل الإنتاج الحرفي الصغير تدريجياً إلى
إنتاج اشتراكي تعاوني كبير، وإقامة التعاونيات الزراعية، وتعميم الثورة
الثقافية بما ينسجم ومبادئ الاشتراكية. وفي مرحلة التحول هذه لا تكون
الاشتراكية قد اكتملت بناء، بل تكون قيد البناء، وتكون الرأسمالية
في مرحلة التصفية ولم تتم تصفيتها نهائياً. وتبدأ المرحلة الانتقالية لحظة
انتصار الثورة الاشتراكية وقيام ديكتاتورية البروليتارية، وتستمر حتى يتم
بناء الاشتراكية. وهو الطور الأول من المجتمع الشيوعي.
دول العالم الثالث والاشتراكية
لم يكن في إمكان شعوب الدول النامية أن تتخلص من
النظام الاستعماري القديم وتظفر بالاستقلال السياسي من دون نهضة ثورية
وإيمان قوي يستحوذ على أكثر جماهيرها. وبعد حصول هذه الدول على الاستقلال
ظهر التناقض بين جماهير الكادحين والبرجوازية الوطنية المتسلطة والمستغلة.
وكان لا بد من توافر طليعة تقود نضال تلك الجماهير الكادحة لتحريرها من
تسلط البرجوازية، أي أن يحل النظام الاشتراكي محل نظام الاستغلال الطبقي.
ولا شك في أن ميل شعوب الدول النامية إلى
الاشتراكية نابع من الذات، لأنها عانت شكلاً من أشكال الاضطهاد والاستغلال
في ظل الإقطاع، وكان الإقطاع قد تأصل في هذه الدول بسبب أحوال الحياة التي
تعتمد على الزراعة والاقتصاد الطبيعي، وكان ارتباط الفلاح بالأرض بوجه أو
بآخر مصدر الاستغلال الإقطاعي، لذلك كان السعي إلى تبني برامج تهدف إلى
تغيير الأسس الحقوقية للملكيات غير المنقولة في هذه الدول لكي تقضي على
الاستغلال الناجم عن الملكية الإقطاعية للأرض.
كذلك عانت مجموعة الدول النامية مشاكل اقتصادية
واجتماعية كانت تتفاوت درجتها من دولة إلى أخرى، كما كان لهذه الدول طموحات
مستقبلية مشتركة تتمثل في تحقيق تنمية شاملة، والقضاء على التخلف
والتبعية. أي إن تنوع الأهداف الاقتصادية ـ الاجتماعية واختلاف الطبيعة
الطبقية للمؤسسات التي تولت حل هذه المشكلات، وتباين مستوى القوى المنتجة
وشكل علاقات الإنتاج السائدة ووظيفتها في كل دولة، هي التي كانت تحدد
طبيعة المهمات في كل مرحلة باتجاه الأهداف التنموية لغالبية شعوب هذه
الدول.
وقد وضع عدد كبير من البلدان التي تحررت من
التبعية الاستعمارية نصب عينيه مهمة بناء مجتمع اشتراكي. وحاولت هذه
البلدان تجنب سبيل التطور الرأسمالي واتباع الطريق التي سبق أن سارت عليها
البلدان الغربية، أي إنها، بتعبير آخر، رغبت في تحقيق مهمة الانتقال إلى
الاشتراكية من دون المرور بالرأسمالية. ويعتقد أنصار الاشتراكية العلمية أن ذلك ممكن بل وضروري أيضاً، ونتيجة للاجتهادات المستندة إلى قاعدة الماركسية
اللينينية ظهرت نماذج خاصة انتهجتها بعض النظم الاشتراكية، وخاصة في الصين
ويوغسلافية وكوبة وبعض البلدان الأخرى، أخذت في الحسبان خصوصية التكوين
الاجتماعي والطبقي ودرجة التطور الاجتماعي والاقتصادي فيها، واعتمدت معطيات
موضوعية في بناء تجربتها القومية والوطنية الخاصة.
وثمة قوى سياسية فاعلة في الدول النامية تؤمن
بالاشتراكية لاعتقادها بأنها تضمن لشعوبها نمواً مطرداً، وتزايداً مستمراً
في الإنتاج المادي والمعنوي، وتآخياً وثيقاً بين أفراد المجتمع. فإذا
استثنيت الأحزاب الماركسية
اللينينية الموجودة في أكثر الدول النامية، فثمة أحزاب وطنية وقومية كثيرة
تؤمن بالاشتراكية، وتعدّها هدفاً رئيساً من أهدافها تسعى لتحقيقه. ومن ذلك
على سبيل المثال ما ورد في المادة الرابعة من دستور «حزب البعث العربي
الاشتراكي» التي نصت على أنه حزب «اشتراكي يؤمن بأن الاشتراكية ضرورة
منبعثة من صميم القومية العربية، لأنها النظام الأمثل الذي يسمح للشعب
العربي بتحقيق إمكاناته وتفتح عبقريته على أكمل وجه، فيضمن للأمة نمواً
مطرداً في إنتاجها المعنوي والمادي وتآخياً وثيقاً بين أفرادها».
إن التحويل الاشتراكي من وجهة نظر المنظمات والأحزاب والفئات والقوى السياسية التقدمية في الدول النامية، يعني من حيث المبدأ:
ـ تحويل ملكية وسائل الإنتاج الخاصة إلى ملكية اجتماعية.
ـ إلغاء استغلال الإنسان لأخيه الإنسان.
ـ تعميق المضمون الديمقراطي للاشتراكية.
ـ تربية المواطن تربية اشتراكية وعلمية تخلصه من الأطر والتقاليد الاجتماعية المتخلفة.
ـ تحقيق تنمية شاملة، والقضاء على أسباب التخلف ومظاهره القائمة.
وهذا يعني إقامة نظام اجتماعي جديد يوفر أحوالاً
موضوعية، اقتصادية واجتماعية وفكرية وسياسية جديدة تعتق الإنسان من جميع
أشكال الاستغلال.
إن التعمق في دراسة نظرية الاشتراكية العلمية،
ولاسيما ما يتعلق بإمكان تطبيقها في الواقع، يساعد في تسريع التقدم
الاجتماعي ـ الاقتصادي، وإحراز النجاحات على طريق التطور اللارأسمالي في
الدول النامية. ومن الضروري تطوير طاقات الجماهير وإمكاناتها ومبادراتها،
واشتراك الشعب في حل جميع قضايا الحياة الاجتماعية، كذلك يجب أن يشمل
برنامج التحولات الاجتماعية في البلدان النامية إجراءات اقتصادية وسياسية
معينة، ولاسيما في مجال تطبيق الإصلاح الزراعي
والقضاء على العلاقات الإقطاعية، وإنشاء القطاع العام، وإيجاد جو من
التعاون مع القطاع الخاص، وتطوير الديمقراطية، والعمل على رفع مستوى معيشة
الجماهير الكادحة مادياً وثقافياً. وإن تطبيق مثل هذا البرنامج يدفع
البلدان النامية في طريق التحولات الاشتراكية تدريجياً وبحسب الضرورة
الموضوعية اقتصادياً واجتماعياً.
مرحلة الشيوعية
الشيوعية هي الطور الأعلى أو المرحلة الثانية من
التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية التي لم تبلغها بعد أي دولة في العالم،
ويصبح فيها تطور كل فرد في المجتمع تطوراً شاملاً وغير محدود الهدف المباشر
لهذه التشكيلة. وتهدف الشيوعية إلى تحويل كل إنسان إلى مبدع، فيكون النشاط
البشري نشاطاً ذاتياً. وعندما يتحرر كل عضو في المجتمع الشيوعي من العمل
الرتيب والمرهق في ميدان الإنتاج المادي الصرف، تتوافر له الفرصة لتطوير
كفاياته من جميع النواحي. وهذا يعني قيام علاقات جديدة بين أفراد المجتمع،
فيكون لكل منهم مصلحة في تطوير الآخر تطوراً غير محدود.
تختلف الشيوعية عن الاشتراكية، قبل كل شيء، في أن مستوى تطور القوى المنتجة
في الشيوعية أرفع مستوى بكثير مما هو عليه في الاشتراكية، وهذا يؤدي إلى
حصول وفر في الخيرات المادية. وإذا كانت الملكية الاجتماعية لوسائل الإنتاج
في مرحلة الاشتراكية تبدو في شكلين أساسيين هما الملكية العامة (الحكومية)
والملكية التعاونية (المزارع الجماعية)، فإن الملكية في الشيوعية تقتصر
على الملكية الشعبية العامة الوحيدة لوسائل الإنتاج. وتتوطد العلاقات في
الشيوعية بين الفرد والمجتمع على أساس وحدة المصالح الاجتماعية والفردية.
والعمل في المجتمعين الاشتراكي والشيوعي، على
السواء، واجب اجتماعي على كل فرد قادر. إلا أن طابع هذا العمل يتبدل في
الشيوعية حين يغدو المطلب الحيوي الأول للإنسان، أي يتحول من واجب مفروض
إلى حاجة أولية للإنسان لإرضاء الذات.
وفي مرحلة الشيوعية تزول الفوارق الجوهرية بين
الريف والمدينة، وبين العمل الذهني والعمل الجسدي، كما تزول التعارضات
والفوارق بين الطبقات، إن وجدت في مرحلة الاشتراكية. وفي شروط الاشتراكية،
يتم توزيع المنتوج الاجتماعي بحسب كمية ما أنفق من عمل ونوعيته. أما في
الشيوعية فإن مستوى الإنتاج الرفيع الحاصل يسمح بالانتقال إلى توزيع
الإنتاج الاجتماعي بحسب حاجات الناس. لكن هذا الأمر يتطلب تحقيق مستوى
إنتاجية عال جداً، كما يقوم الأفراد طوعاً بالعمل الذي يرغب فيه كل منهم
ويحقق فيه ذاته.
فالشيوعية نظام اجتماعي لا طبقي، يقوم على
الملكية الشعبية العامة الوحيدة لوسائل الإنتاج، وعلى المساواة الاجتماعية
بين أعضاء المجتمع كافة، وتنمو فيه القوى المنتجة على أساس التقدم العلمي والتقني.
البيريسترويكا أو برنامج إعادة البناء
البيريسترويكا[ر] برنامج شامل طرحه الرئيس
السوفييتي السابق غورباتشوف لتطوير المجتمع الاشتراكي على أسس اقتصادية
نوعية جديدة وإشاعة الديمقراطية الاشتراكية وتوسيعها في كل الميادين
والصعد. وقد طرحت البيريسترويكا برنامجاً لإعادة البناء من أجل القضاء على
مظاهر الخلل والركود في اقتصاديات الدول الاشتراكية، وكانت الحلقة المهمة
في عملية التغيير المطلوبة العمل على زيادة معدلات النمو الاقتصادي عن طريق تعديل هيكلية الاقتصاد الوطني، والإفادة من أحدث منجزات العلم والتقنية لرفع كفاية البلاد الإنتاجية
وتحسين نوعية الإنتاج، وهذا ما يتطلب بالضرورة تحسين الإدارة وتحسين مجمل
الآلية الاقتصادية. وقد ارتكزت جميع التحولات التي رغبت البيريسترويكا في
تحقيقها حول الملكية الاشتراكية لوسائل الإنتاج. فقد كانت الملكية
الاشتراكية نوعين: الملكية التعاونية وملكية الدولة. وبمرور الزمن فقدت
ملكية الدولة أهميتها التي كانت لها في أول الأمر، وصار الشغيلة يشعرون
كأنها ملكية مجهولة الصاحب لا تعود إلى أحد، وبدت غريبة عنهم، وقد ترك هذا