العوامل التي أدت إلى قيام الثورة الصناعية
1_العامل الديموغرافي (السكاني
شهد معدل نمو السكان بأوربا
ارتفاعا كبيرا و ملحوظا منذ القرن الثامن عشر و أوائل القرن التاسع عشر و
هذا لانخفاض معدل الوفيات ،فأبدى بعض المصلحين الاجتماعيين مخاوفهم و
تشاؤمهم من زيادة عدد السكان و ذلك للآثار الاجتماعية و الاقتصادية السلبية
المترتبة عن ذلك.
2_اتساع نطاق التبادل التجاري داخل و خارج أوربا
اتسعت تجارة أروربا لتمتد إلى
العالم الجديد و العالم القديم ،فاكتشاف العالم الحديث سنة 1492 و اكتشاف
الطريق البحري الشرقي عبررأس الرجاء الصالح عام 1498 أدى
إلى اتساع السوق الخارجية و ذلك بتموين عدة أقطار بمنتجاتها،و هكذا لم يكن
هناك تخوف من احتمال عدم وجود أسواق لتصريف البضائع،هذا دفعا لزيادة كمية
الإنتاج بشكل هائل.
3_رأس الماللقد كان لاتساع التجارة الأوربية و امتدادها
لأقطار العالم أثر إيجابي لأصحاب المصانع ، شركات النقل ، التجار الوسطاء و
المؤسسات المالية ،و ذلك لأن أرباحهم كانت في تزايد مستمر مما مكنهم من
تكوين أموال طائلة تتجمع لتكوين رؤوس أموال معتبرة كفيلة بسد حاجيات و
متطلبات الصناعة.
4_سياسة الحرية الاقتصادية و عدم التدخل
في القرن السابع عشر و الثامن
عشر بدأت سياسة الدولة بالتغير تدريجيا،و بدأت تحد من سلطة النقابات
الطائفية المتمتعة بالنفوذ الكبير و تعرقل احتكارها و تدخلها المباشر في
الإنتاج و الصناعة .و هكذا،أصبح الفرد يتمتع بالحرية الاقتصادية المتمثلة
في حرية العمل و مزاولة التجارة ،هذا كان نتيجة امتداد مبدأ الفردية الذي
دافعت عنه بعض الدول.
و من هنا،أصبحت الحكومات تسير على سياسة الحرية
و تسمح للأفراد لدخول مجال الانتاج و التجارة ، و خفضت من معدلات الضراب
المفروضة على رؤوس الأموال الموظفة في مجال الصناعة،كما أصبحت تحمي حقوق
الإختراع و تدعم أركان سياسة الحرية الاقتصادية.
ظهور الثورة الصناعية وانتشارها ومظاهرها
انتشرت الثورة الصناعية في
إنجلترا في القرن الثامن عشر والتاسع عشر وانتقلت بعد ذلك إلى دول غرب
أوروبا ومن ثم إلى جميع أنحاء العالم وكانت انتشارها في إنجلترا لعدة أسباب
ومنها ان إنجلترا كانت جيدة من الناحية الاقتصادية وموقعها الجغرافي وكانت
منعزلة عن المشاكل داخلها.
ظهور الثورة الصناعية في بريطانيا
كانت بريطانياأسبق
دول العالم في تحقيق النهضة الصناعية. فمنذ منتصف القرن الثامن عشر انطلقت
بها الثورة الزراعية التي أدت إلى تحسن المستوى المعيشي لسكان الأرياف
فتزايد إقبالهم على استعمال المعدات الزراعية المتطورة واعتماد جانب من
مدخراتهم في تطوير المشاريع الصناعية. كما أدت الثورة الزراعية وإدخال
الآلات وطرق الاستغلال الحديثة إلى سيطرة الملكيات الكبيرة والاستغناء عن
نسبة هامة من العمال الزراعيين فتوفرت بذلك يد عاملة رخيصة وكثيرة العدد
للمصانع.
وبالإضافة إلى ما حققته الثورة
الزراعية تجمع لدى بريطانيا رصيد ضخم من المال من تجارتها الواسعة مع
مستعمراتها وظهرت فيها المصارف التي شجعت على بعث العديد من المشاريع
الصناعية. وقد تمتعت بريطانيا باستقرار داخلي بعيدا عن مخاطر الحروب
القارية الأمر الذي ساعد على استمرار نموها الاقتصادي وبروز العديد من
الاختراعات الجديدة التي ضمنت لها التفوق على بقية منافسيها.
انتشار الثورة الصناعية
لم تتمكن بريطانيا من الاحتفاظ
طويلا بأسرار تفوقها وثروتها فسرعان ما راحت العديد من الدول الأوروبية
الأخرى تسعى إلى تحقيق ثورتها الصناعية وتطمح إلى الدخول في منافسة معها.
ولم يوشك القرن التاسع عشر على نهايته إلا والثورة الصناعية قد امتدت إلى
مناطق مختلفة من العالم خصوصا أوروبا الغربية وأمريكا الشماليةوأيضا اليابان.
مظاهر الثورة الصناعية
شمل التطور الصناعي العديد من الميادين فازدهرت صناعة الغزل والنسيج وظهرت المصانع والأفران عالية الحرارة لصهر الحديد. وأصبحت الآلات بحاجة إلى مصادر جديدة للطاقة فاستخدم الفحم الحجريثم البخار فالكهرباء في تشغيل المحركات والآلات وفي تسيير البواخر والقاطرات.
1_تمركز نظام المصانع.
2_النزوح الريفي للسكان و انتقالهم للعيش بالمدن بحثا عن فرص العمل و الحياة الأفضل.
3_نمو التجارة الخارجية و اتساعها لتشمل العديد من أقطار العالم.
4_تنوع المشاريع و كبر أحجامها.
5_زيادة النزاعات الاحتكارية في الصناعة بشكل هائل.
نتائج الثورة الصناعية
ساهمت الثورة الصناعية في تنشيط الحياة الاقتصادية فظهر نظام اقتصادي جديد كان له بالغ الأثر على المجتمع الأوروبي.
النتائج الاقتصادية
أدت الثورة الصناعية إلى قيام نظام اقتصادي رأسمالييرتكز على حرية العمل والمبادلات. فبرز دور المؤسسات الإنتاجية الكبرى في تنمية الاقتصادوتحسنت الأوضاع المعيشية للناس وازدهرت حركة العمرانكما
ازداد الإنتاج الصناعي بشكل كبير بفضل تطور المعدات والآلات واعتماد
التقنيات الجديدة. فانخفضت كلفة الإنتاج وظهرت صناعات جديدة واتسع
الاستثمار في الزراعة فقد أدى الاستعمال المكثف للآلات والأسمدة إلى تحول
الإنتاج الزراعي من إنتاج معيشي مخصص أساسا لاستهلاك المزارع وعائلته إلى
إنتاج تجاري موجه إلى السوق. لذلك تحولت الزراعة إلى عنصر فعال في تطور
القطاع الصناعي بعد أن وفرت له حاجاته من المواد الأولية مما زاد من مستوى
الإنتاج واستوجب تأمين أسواق خارجية لترويج فوائضه. كما تطلبت التجارية
الدولية تطوير المعاملات المالية فأنشأت المصارف المتخصصة واعتمد الذهب
كقاعدة في المعاملات.
النتائج الاجتماعية
أسهمت الثورة الصناعية في
القضاء على المجتمع القديم وأقامت مكانه مجتمعا جديدا تميز ببروز طبقتين :
طبقة أرباب العمل المنتسبين إلى البرجوازية والتي تكونت من أصحاب المؤسسات
الصناعية والتجارية والمصرفية. وقد سيطرت هذه الطبقة على الحياة الاقتصادية بامتلاكها لوسائل الإنتاج. وطبقة
العمال التي تكونت من سكان المدن والنازحين من الأرياف بحثا عن فرص العمل
التي وفرتها المصانع. فظهر التفاوت الاجتماعي الذي اقتضى تدخل الدول للحد
من سلبياته. فقد صدرت تشريعات عمالية تتعلق بعمل النساء والأطفال وتحدد
ساعات العمل والحد الأدنى للأجر وتتناول الشئون الصحية للعمل. وظهر في بعض
الدول كألمانياوبريطانيا
ضمان المرض وضمان الحوادث والشيخوخة. كذلك قضت الثورة الصناعية على
الروابط العائلية التي كانت مصدر تكافل اجتماعي واقتصادي. فمع هذه الثورة
أنشأت المصانع في مناطق دون أخرى فاستقطبت إليها العمال. وكان الآباء أول
من اختطفتهم الصناعة ثم بدأت المصانع بتشغيل النساء والأطفال فقضت بذلك على
تلاحم الأسرة وتسبب في تفاقم ظاهرة النزوح من الأرياف سعيا وراء فرص العمل
التي وفرتها الصناعات الجديدة. فتضخمت المدن بشكل هائل وتفوق العرض على
الطلب فانخفضت الأسعار وكثر عدد العاطلين عن العمل وتزايدت حدة البؤس. ظهرت
من انتعاش النشاط الاقتصادي من خلال حركة البنوك والوكالات التجارية
ومراكز التوزيع والتسويق.
النتائج السياسة والثقافية
كان للثورة الصناعية عدة نتائج على المستويين الثقافي والسياسي. أما بالنسبة للمستوى السياسي فقد أدت الثورة الصناعية إلى :
- تطبيق المبادئ الدستورية التي منحت للعمال والنساء حق الانتخاب
- برز أحزاب سياسية تدافع عن مصالح العمال وتشارك في الحياة السياسية.
- احتدام التنافس بين الدول الصناعية
للسيطرة على مصادر المواد الخام والأسواق الخارجية مما أنتج تفاقم
الاستعمار وانقسام العالم إلى جزأين جزء مهيمن تمثله البلدان الصناعية
وجزء مستغل تمثله بلدان أفريقيا وآسيا وأمريكا الجنوبية
أما بالنسبة إلى الجانب الثقافي فقد رافقت الثورة الصناعية انتعاشة ثقافية كبيرة كان من ثمارها الإيمان بقدرة العقل البشري وبأهمية العلموالتقدم.
وقد نشطت الحياة الثقافية عبر مراكزها التي انتشرت في كل مكان من أوروبا.
وأثرت المدينة على حياة الفرد الذي أخذ ينهل مما توفر له من أسباب التعلم
والثقافة. فأسهم ذلك في رفع مستوى الوعي.
اثر الثورة الصناعية على العالم
لم تقتصر الثورة الصناعية على أوروبا بل تعدتها إلى دول أخرى من العالم كالولايات المتحدة الأمريكيةالتي
استفادت من المنجزات الأوروبية لتطوير اقتصادها واستغلال مواردها حتى
تمكنت من السيطرة على القارة الأمريكية بعد أن تقلص الدور الأوروبي فيها.
واستوعب اليابان من جانبه منجزات الغرب العلمية محققا بذلك ثورته الصناعية.
وقد تأثرت الدول العربية إلى حد
ما بمنجزات الثورة الصناعية وقام بعض من حكامها بإنشاء المصانع واستقدام
الخبراء من دول أوروبا لتنمية الصناعة فيها. كما قاموا بإرسال الطلبة
المتفوقين إلى تلك الدول للاطلاع على مدى تقدمها الصناعي والعلمي
والاستفادة من خبراتها الجديدة.
لقد مثلت الثورة الصناعية محركا اقتصاديا و
اجتماعيا هاما غير الركائز التي كان النظام الإقطاعي منتصبا عليها ،و غيرت
جذريا تقسيم المجتمع وطبقاته لتصبح عبارة عن طبقيتين أساسيتين متمثلتين في
طبقة العمال و طبقة أصحاب رؤوس الأعمال هؤلاء الأخيرين الذين استغلوا
الطاقة البشرية و أخضعوها لسيطرتهم ليجعلونهم مرفقات للآلة و أشباه
عبيد،لتحقيق الإنتاج الضخم الذي يجعلهم يكسبون الأموال الطائلة التي عززت
وجود شرخ و فرق شاسع بين الطبقتين ،متمثل في الفقر المدقع و الغنى الفاحش،و هكذا
اتسعت الهوة و العداء بينهم،للمطالبة بحقوق العمال عن طريق الاحتجاجات و
تكوين نقابات عمالية تطالب بحقوق العمال، بعد أن طفح الكيل بالمشاكل
الاجتماعية الاقتصادية. و هنا بدى للجميع أن الثورة الصناعية قد فشلت فشلا
ذريعا في تحسين أوضاع المجتمع.